Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهكذا يُعلِّمنا الحق سبحانه أنه لا يُنزّل الملائكة إلا بمشيئة حكمته سبحانه ، ولو نزل الملَك - كما طلبوا - لمساعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله ، فالملَك إما أن يكون على هيئة البشر فلن يستطيعوا تمييز المَلَك من البشر ، وإما أن يكون على هيئة الملك ، فلا يستطيع البشر أنْ يروْه وإلاَّ هلكوا . ذلك أن البشر لا تستطيع تحمُّل التواصل مع القوة التي أودعها الله في الملائكة . والحق سبحانه هو القائل : { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } [ الأنعام : 8 ] . ولو جعله الحق سبحانه في هيئة البشر وتواصلوا معه لالتبس عليهم الأمر ، ولَظنّوا أن الملَك بشرٌ مثلهم . وفي هذا يقول الحق سبحانه : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] . لم يُنزِل الحق سبحانه الملائكة لأنه لم يَشَأْ أن يُهِلكهم ورسولُ الله فيهم ، فالحق سبحانه قد قال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] . وقد آمن معظمهم ودخلوا في دين الله من بعد ذلك واستغفروا لذنوبهم ، وكان الله غفوراً رحيماً لأن الإسلام يجُبُّ ما قبله . وحين ننظر إلى صَدْر الآية نجد أنه سبحانه قال : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ … } [ الحجر : 8 ] . فلو نزلت الملائكة لكان عذاباً لهم ، فالحق سبحانه إذا أعطى قوماً آية طلبوها ، فإما أن يؤمنوا ، وإما أن يهلكهم ، ولذلك يقول الحق سبحانه : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الإسراء : 59 ] . فالحق سبحانه لم يُجبهم إلى الآيات والمعجزات التي طلبوها لأن السابقين لهم ، كذَّبوا بها قبل ذلك ، وهم يريدون أن يُكذّبوا أيضاً ، فحتى لو نزلت الآية فسيكذبونها ، وحين يكذبون في آية مقترحة من عندهم ، فلا بُدّ أن نهلكهم . أما لو كذبوا في آية مُنزّلة من عند الله فإن الله يمهلهم . إذن : فلو نزلنا الملائكة كما يريدون فسننزلهم بالحق ، والحق هو أن نهلكهم إذا كذَّبوا . ويُذيّل الحق سبحانه الآية بقوله : { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [ الحجر : 8 ] . أي : ما كان أجَلُ المشركين قد حانَ ليُنزل الله لهم الملائكة لإهلاكهم ، كما سبق وأهلك الأمم السابقة التي طلبتْ الآيات ، فنزلت لهم كما طلبوها ، ولَمّا لم يُصدِّقوا ويؤمنوا أهلكهم الله . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ … } .