Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 9-9)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والقرآن قد جاء بعد كُتب متعددة ، وكان كل كتاب منها يحمل منهج الله إلا أن أيَّ كتاب منها لم يَكُنْ معجزة بل كانت المُعْجزة تنزل مع أيِّ رسول سبق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعادة ما تكون المعجزة من صِنْف ما نبغ فيه القوم الذين نزل فيهم . وما دام المنهج مفصولاً عن المعجزة فقد طلب الحق سبحانه من الحاملين لكتب المنهج تلك أنْ يحافظوا عليها ، وكان هذا تكليفاً من الحق سبحانه لهم . والتكليف - كما نعلم - عُرْضةَ أنْ يُطَاع ، وعُرْضة أنْ يُعصَى ، ولم يلتزم أحد من الأقوام السابقة بحفظ الكُتب المنزّلة إليهم . ونجد الحق - سبحانه وتعالى - يقول : { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ … } [ المائدة : 44 ] . أي : أن الحق - سبحانه وتعالى - قد كلّفهم وطلب منهم أنْ يحفظوا كتبهم التي تحمل منهجه وهذا التكليف عُرْضة أنْ يُطاع ، وعُرْضة أنْ يُعصى وهم قد عَصَوا أمر الحق سبحانه وتكليفه بالحفظ ذلك أنهم حرّفوا وبدّلوا وحذفوا من تلك الكتب الكثير . وقال الحق سبحانه عنهم : { وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 146 ] . بل وأضافوا من عندهم كلاماً وقالوا : هو من عند الله لذلك قال فيهم الحق سبحانه : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] . وهكذا ارتكبوا ذنوب الكذب وعدم الأمانة ، ولم يحفظوا الكتب الحاملة لمنهج الله كما أنزلها الله على أنبيائه ورُسله السابقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولذلك لم يَشَأ الحق سبحانه أن يترك مهمة حفظ القرآن كتكليف منه للبشر لأن التكليف عُرْضة أنْ يُطاع وعُرْضة أنْ يُعصى ، فضلاً عن أن القرآن يتميز عن الكتب السابقة في أنه يحمل المنهج ، وهو المعجزة الدالة على صِدْق بلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت . ولذلك قال الحق سبحانه : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . والذِّكْر إذا أُطلِق انصرف المعنى إلى القرآن وهو الكتاب الذي يحمل المنهج وسبحانه قد شاء حِفْظه لأنه المعجزة الدائمة الدَّالة على صِدْق بلاغ رسوله صلى الله عليه وسلم . وكان الصحابة يكتبون القرآن فَوْرَ أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجدنا في عصرنا من هم غير مؤمنين بالقرآن ولكنهم يتفنّنون في وسائل حِفْظه فهناك مَنْ طبع المصحف في صفحة واحدة وسخَّر لذلك مواهب أُناسٍ غير مؤمنين بالقرآن . وحدث مثل ذلك حين تَمّ تسجيل المصحف بوسائل التسجيل المعاصرة . وفي ألمانيا - على سبيل المثال - توجد مكتبة يتم حِفْظ كل ما يتعلق بكل آية من القرآن في مكان مُعيّن مُحدّد . وفي بلادنا المسلمة نجد مَنْ ينقطع لحفظ القرآن منذ الطفولة ، ويُنهِي حِفْظه وعمره سبع سنوات وإنْ سألته عن معنى كلمة يقرؤها فقد لا يعرف هذا المعنى . ومن أسرار عظمة القرآن أن البعض مِمَّنْ يحفظونه لا يملكون أية ثقافة ، ولو وقف الواحد من هؤلاء عند كلمة فهو لا يستطيع أن يستكملها بكلمةٍ ذات معنى مُقَارب لها إلى أنْ يردّه حافظٌ آخر للقرآن . ولكي نعرف دِقّة حِفْظ الحق سبحانه لكتابه الكريم نجد أن البعض قد حاول أن يُدخِل على القرآن ما ليس فيه ، وحاول تحريفه من مدخل ، يروْنَ أنه قريب من قلب كل مسلم ، وهو توقير الرسول صلى الله عليه وسلم وجاءوا إلى قول الحق سبحانه : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ … } [ الفتح : 29 ] . وأدخلوا في هذه الآية كلمة ليست فيها ، وطبعوا مصحفاً غيَّروا فيه تلك الآية بكتابتها " محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " وأرادوا بذلك أن يسرقوا عواطف المسلمين ، ولكن العلماء عندما أمسكوا بهذا المصحف أمروا بإعدامه وقالوا : " إن به شيئاً زائداً " ، فردَّ مَنْ طبع المصحف " ولكنها زيادة تحبونها وتُوقّرونها " ، فردَّ العلماء : " إن القرآن توقيفيّ نقرؤه ونطبعه كما نزل " . وقامت ضَجَّة وحسمها العلماء بأن أيّ زيادة - حتى ولو كانت في توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته - لا تجوز في القرآن ، لأن علينا أن نحفظ القرآن كما لقَّنه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ … } .