Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 107-107)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذٰلِكَ } أي : ما استحقوه من العذاب السابق . { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ … } [ النحل : 107 ] . استحب : أي آثر وتكلَّف الحب لأن العاقل لو نظر إلى الدنيا بالنسبة لعمره فيها لوجدها قصيرة أحقر من أَنْ تُحبَّ لذاتها ، ولَوجدَ الأغيار بها كثيرة تتقلَّب بأهلها فلا يدوم لها حال ، ينظر فإذا الأحوال تتبدّل من الغنى إلى الفقر ، ومن الصحة إلى السَّقَم ، ومن القوة إلى الضعف ، فكيف إذن تستحب الدنيا على الآخرة ؟ ! والحق تبارك وتعالى يريد منّا أنْ نعطي كلاً من الدنيا والآخرة ما يستحقه من الحب ، فنحب الدنيا دون مبالغة في حبها ، نحبها على أنها مزرعة للآخرة ، وإلاَّ ، فكيف نطلب الجزاء والثواب من الله ؟ لذلك نقول : إن الدنيا أهمّ من أنْ تُنسى ، وأتفه من أن تكون غاية ، وقد قال الحق سبحانه : { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا … } [ القصص : 77 ] . ففهم البعض الآية على أنها دعوة للعمل للدنيا وأَخْذ الحظوظ منها ، ولكن المتأمل لمعنى الآية يجد أن الحق سبحانه يجعل الدنيا شيئاً هيّناً مُعرَّضاً للنسيان والإهمال ، فيُذكِّرنا بها ، ويحثُّنا على أن نأخذ منها بنصيب ، فأنا لا أقول لك : لا تنسَ الشيء الفلاني إلا إذا كنتُ أعلم أنه عُرْضَة للنسيان ، وهذا جانب من جوانب الوسطية والاعتدال في الإسلام . ويكفينا وَصْف هذه الحياة بالدنيا ، فليس هناك وَصْفٌ أقلّ من هذا الوصف ، والمقابل لها يقتضي أن نقول : العُلْيا وهي الآخرة ، نعم نحن لا ننكر قَدْر الحياة الدنيا ولا نبخسها حقها ، ففيها الحياة والحسّ والحركة ، وفيها العمل الصالح والذكْرى الطيبة … الخ . ولكنها مع ذلك إلى زوال وفناء ، في حين أن الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة الباقية التي لا يعتريها زوال ، ولا يهددها موت ، كما قال الحق سبحانه : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] . أي : الحياة الحقيقية التي يجب أن نحرص عليها ونحبها . ومن ذلك قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 24 ] . ما معنى لِمَا يُحْييكُمْ والقرآن يخاطبهم وهم أحياء يُرزَقُون ؟ قالوا : يُحييكم أي : الحياة الحقيقية الباقية التي لا تزول . وقوله : { عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ … } [ النحل : 107 ] . لقائل أن يقول : إن الآية تتحدث عن غير المؤمنين بالآخرة ، فكيف يُقَال عنهم : { ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ … } [ النحل : 107 ] . نقول : من غير المؤمنين بالآخرة مَنْ قال الله فيهم : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] . وأيضاً منهم مَنْ قال : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] . إذن : من هؤلاء مَنْ يؤمن بالآخرة ، ولكنه يُفضّل عليها الدنيا . قوله تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ النحل : 107 ] . أي : لا يهديهم هداية معونة وتوفيق . وسبق أنْ قُلْنا : إن الهداية نوعان : هداية دلالة ، ويستوي فيها المؤمن والكافر ، وهداية معونة خاصة بالمؤمن . إذن : إذا نفيتَ الهداية ، فالمراد هداية المعونة ، فعدم هداية الله انصبتْ على الكافر لكونه كافراً ، فكأن كُفْره سبق عدم هدايته ، أو نقول : لكونه كافراً لم يَهْده الله . ولذلك يحكم الله على هؤلاء بقوله سبحانه : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ … } .