Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 108-108)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

طبع : أي ختم عليها ، وإذا تأملتَ الختْم وجدتَ المقصود منه أن الشيء الداخل يظلّ داخلاً لا يخرج ، وأن الخارج يظل خارجاً لا يدخل . وفَرْقٌ بين ختم البشر وختم ربِّنا سبحانه ، فقصارى ما نفعله أن نختم الأشياء المهمة كالرسائل السرية مثلاً ، أو نريد إغلاق مكان ما نختم عليه بالشمع الأحمر لنتأكد من غلقه ، ومع ذلك نجد مَنْ يحتال على هذا الختم ويستطيع فضّه وربما أعاده كما كان . أما إذا ختم الحق سبحانه وتعالى على شيء فلا يستطيع أحد التحايل عليه سبحانه . فالمراد - إذن - بقوله تعالى : { طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ … } [ النحل : 108 ] . أن ما فيها من الكفر لا يخرج منها ، وما هو خارجها من الإيمان لا يدخل فيها ذلك لأن القلب هو الوعاء الذي تصبّ فيه الحواس التي هي وسائل الإدراكات المعلومية ، وأهمها السمع والبصر . فبالسمع تسمع الوحي والتبليغ عن الله ، وبالبصر ترى دلائل قدرة الله في كونه وعجيب صُنْعه مما يلفتك إلى قدرة الله ، ويدعوك للإيمان به سبحانه ، فإذا ما انحرفتْ هذه الحواسّ عما أراده الله منها ، وبدل أن تمدّ القلب بدلائل الإيمان تعطَّلتْ وظيفتها . فالسمع موجود كآلة تسمع ولكنها تسمع الفارغ من الكلام ، فلا يوجد سَمْع اعتباريّ ، وكذلك البصر موجود كآلة تُبصر ما حرم الله فلا يوجد بصر اعتباري ، فما الذي سيصل إلى القلب - إذن - من خلال هذه الحواس ؟ فما دام القلب لا يسمع الهداية ، ولا يرى دلائل قدرة الله في كونه فلن نجد فيه غير الكفر ، فإذا أراد الإيمان قُلْنا له : لا بُدَّ أن تُخرِج الكفر من قلبك أولاً ، فلا يمكن أن يجتمع كفر وإيمان في قلب واحد لذلك عندنا قانون موجود حتى في الماديات يسمونه عدم التداخل يمكن أن تشاهده حينما تملأ زجاجة فارغة بالماء ، فترى أن الماء لا يدخل إلا بقدر ما يخرج من الهواء . فكذلك الحال في الأوعية المعنوية . فإن أردت الإيمان - أيها الكافر - فأخرجْ أولاً ما في قلبك من الكفر واجعله مُجرّداً من كل هوى ، ثم ابحث بعقلك في أدلة الكفر وأَدلة الإيمان ، وما تصل إليه وتقتنع به أدْخله في قلبك ، لكن أنْ تبحث أدلة الإيمان وفي جوفك الكفر فهذا لا يصحّ ، لا بُدَّ من إخلاء القلب أولاً وتجعل الأمريْن على السواء . لذلك يقول الحق سبحانه : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } [ الأحزاب : 4 ] . وفي الأثر : " لا يجتمع حب الدنيا وحب الله في قلب واحد " . لأن للإنسان قلباً واحداً لا يجتمع فيه نقيضان ، هكذا شاءت قدرة الله أن يكون القلب على هذه الصورة ، فلا تجعلْه مزدحماً بالمظروف فيه . كما أن طَبْع الله على قلوب الكفار فيه إشارة إلى أن الحق سبحانه وتعالى يعطي عبده مراده ، حتى وإنْ كان مراده الكفر ، وكأنه سبحانه يقول لهؤلاء : إنْ كنتم تريدون الكفر وتحبونه وتنشرح له صدوركم فسوف أطبع عليها ، فلا يخرج منها الكفر ولا يدخلها الإيمان ، بل وأزيدكم منه إنْ أحببتُمْ ، كما قال تعالى : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً … } [ البقرة : 10 ] . فهنيئاً لكم بالكفر ، واذهبوا غَيْرَ مأسوف عليكم . وقوله : { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } [ النحل : 108 ] . الغافل : مَنْ كان لديه أمر يجب أن يتنبه إليه ، لكنه غفل عنه ، وكأنه كان في انتظار إشارة تُنبّه عقله ليصل إلى الحق . ثم يُنهي الحق سبحانه الكلام عن هؤلاء بقوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ … } .