Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 111-111)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد يكون المعنى في هذه الآية على اتصال بالآية السابقة ، ومتعلق بها ، فيكون المراد : { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 110 ] . يحدث هذا : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا … } [ النحل : 111 ] . أي : يوم القيامة . أو يكون المعنى : اذكر يا محمد : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } [ النحل : 111 ] . وهل للإنسان أكثر من نفس ، فتجادل إحداهما عن الأخرى ؟ الحقيقة أن للإنسان نفساً واحدة في الدنيا والآخرة ، ولكنها تختلف في الدنيا عنها يوم القيامة لأن الحق سبحانه منحها في الدنيا الاختيار ، وجعلها حرة في أن تفعل أو لا تفعل ، فكان من النفوس : الطائعة ، والعاصية ، والمنصاعة ، والمكابرة . فإذا ما وقفت النفس في موقف القيامة ، وواجهتْ الحق الذي كانت تخالفه علمت أن الموقف لا تفيد فيه مكابرة ، ولا حيلة لها إلا أن تجادل وتدافع عن نفسها ، فكأن نفس القيامة تجادل عن نفس الدنيا في موقف ينادي فيه الحق تبارك وتعالى : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . وقد حكى القرآن الكريم نماذج من جدال النفس يوم القيامة ، فقال تعالى : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] . { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا … } [ فصلت : 29 ] . إذن : هي نفس واحدة ، تجادل عن نفسها في يوم لا تجزي فيه نفس عن نفس ، فكلٌّ مشغول بكَرْبه ، مُحاسَب بذنبه ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] . وقوله تعالى : { وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ النحل : 111 ] . الحق سبحانه يعطينا لقطة سريعة للحساب والجزاء يوم القيامة ، فالميزان ميزان عَدْل وقسطاس مستقيم لا يظلم أحداً . { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ] . وقوله تعالى : { وَتُوَفَّىٰ … } [ النحل : 111 ] . يدلُّ على أن الجزاء من الله يكون وافياً ، لا نقص فيه ولا جَوْر ، فالجميع عبيد الله ، لا يتفاضلون إلا بأعمالهم ، فإنْ رحمهم فبفضله ، وإنْ عذَّبهم فبعدْله ، وقد قال تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 118 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً … } .