Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 113-113)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
رأينا كيف كانت النعمة تامة على أهل مكة ، وقد تمثلت هذه النعمة في كَوْنها آمنة مطمئنة ، وهذه نعمة مادية يحفظ الله بها القالب الإنساني ، لكنه ما يزال في حاجة إلى ما يحفظ قِيَمه وأخلاقه . وهذه هي نعمة النعم ، وقد امتنَّ الله عليهم بها حينما أرسل فيهم رسولاً منهم ، فما فائدة النعم المادية في بلد مهزوزة القيم ، مُنْحلة الأخلاق ، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُقوِّم ما اعوجّ من سلوكهم ، ويُصلح ما فسد من قِيَمهِم ومبادئهم . وقوله : { مِّنْهُمْ … } [ النحل : 113 ] . أي : من جنسهم ، وليس غريباً عنهم ، وليس من مُطْلق العرب ، بل من قريش أفضل العرب وأوسطها . يقول تعالى : { فَكَذَّبُوهُ … } [ النحل : 113 ] . وكان المفترض فيهم أن يستقبلوه بما علموا عنه من صفات الخير والكمال ، وبما اشتهر به بينهم من الصدق والأمانة ، ولكنهم كما كفروا بالنعم المادية كفروا أيضاً بالنعم القيمية متمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله : { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ … } [ النحل : 113 ] . مَنِ الذي أخذهم ؟ لم تقُلْ الآية : أخذهم الله بالعذاب ، بل : أخذهم العذاب ، كأن العذابَ نفسه يشتاق لهم ، وينقضُّ عليهم ، ويسارع لأخذهم ، ففي الآية تشخيص يُوحي بشدة عذابهم . كما قال تعالى في آية أخرى : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] . ثم يقول تعالى : { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ … } .