Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 31-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والجنات : تعني البساتين التي بها الأشجار والأزهار والثمار والخضرة ، مما لا عَيْن رأتْ ، ولا أذُن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر … ليس هذا وفقط … هذه الجنة العمومية التي يراها كل مَنْ يدخلها … بل هناك لكل واحد قصر خاص به ، بدليل قوله تعالى : { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ الصف : 12 ] . إذن : هنا قَدْر مشترك للجميع : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ النحل : 31 ] . ومعنى قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ … } [ النحل : 31 ] . أي : جنات إقامة دائمة لأن فيها كل ما يحتاجه الإنسان ، فلا حاجه له إلى غيرها … هَبْ أنك دخلْتَ أعظم حدائق وبساتين العالم - هايد بارك مثلاً - فقصارى الأمر أنْ تتنزَّه به بعض الوقت ، ثم يعتريك التعب ويصيبك المَلل والإرهاق فتطلب الراحة من هذه النزهة … أما الجنة فهي جنة عدن ، تحب أن تقيم فيها إقامة دائمة . ويصف الحق سبحانه هذه الجنات فيقول : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ النحل : 31 ] . وفي آية أخرى يقول سبحانه : { تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ التوبة : 100 ] . ومعنى " تجري تحتها " أي : أنها تجري تحتها ، وربما تأتي من مكان آخر … وقد يقول هنا قائل : يمكن أن يُمنع عنك جريان هذه الأنهار لذلك جاءت الآية : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ النحل : 31 ] . أي : ذاتية في الجنة لا يمنعها عنك مانع . ثم يقول تعالى : { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ … } [ النحل : 31 ] . والمشيئة هنا ليست بإرادة الدنيا ومشيئتها ، وإنما مشيئة بالمزاج الخصب الذي يتناسب مع الآخرة ونعيمها … فمثلاً : إذا دخلتَ على إنسان رقيق الحال فَلَك مشيئة على قدر حالته ، وإذا دخلتَ على أحد العظماء أو الأثرياء كانت لَكَ مشيئة أعلى … وهكذا . إذن : المشيئات النفسية تختلف باختلاف المشَاء منه ، فإذا كان المشَاء منه هو الله الذي لا يُعجزه شيء تكون مشيئتُك مُطلقة ، فالمشيئة في الآية ليستْ كمشيئة الدنيا لأن مشيئة الدنيا تتحدَّد ببيئة الدنيا … أما مشيئة الآخرة فهي المشيئة المتفتحة المتصاعدة المرتقية كما تترقى المشيئات عند البشر في البشر حَسْب مراتبهم ومراكزهم . ويُرْوى أنه لما أُسِرَتْ بنت أحد ملوك فارس عند رجل ، وأرادوا شراءها منه وعرضوا عليه ما يريد ، فقال : أريد فيها ألف دينار ، فأعطوه الألف دينار وأخذوها منه … فقال له أحدهم : إنها ابنةُ الملك ، ولو كنت طلبتَ منه كذا وكذا لم يبخل عليك فقال : والله لو علمتُ أن وراء الألف عدداً لَطلبْته … فقد طلب قصارى ما وصل إليه علمه . لذلك لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرح لنا هذا النص القرآني : { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ . . } [ النحل : 31 ] . وكذلك قوله تعالى : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ الزخرف : 71 ] . قال : " فيها ما لا عَيْن رأت ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطر على قَلْب بشر " . إذن : تحديد الإطار للآية بقدر ما هم فيه عند ربهم . { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } [ النحل : 31 ] . أي : هكذا الجزاء الذي يستحقونه بما قدموا في الدنيا ، وبما حرَمَوا منه أنفسهم من مُتَع حرام … وقد جاء الآن وقْتُ الجزاء ، وهو جزاءٌ أطول وأَدْوم لذلك قال الحق تبارك وتعالى في آية أخرى : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] . ثم يقول الحق تبارك وتعالى : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ … } .