Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 34-34)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : أنهم لما ظلموا أنفسهم أصابهم جزاء ذلك ، وسُمِّي ما يُفعل بهم سيئة لأن الحق تبارك وتعالى يُسمّي جزاء السيئة سيئة في قوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا … } [ الشورى : 40 ] . ويقول تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ … } [ النحل : 126 ] . وهذه تُسمّى المشاكلة ، أي : أن هذه من جنس هذه . وقوله تعالى : { مَا عَمِلُواْ } العمل هو مُزَاولة أيِّ جارحة من الإنسان لمهمتها ، فكُلُّ جارحة لها مهمة . الرِّجْل واليد والعَيْن والأُذن … الخ . فاللسان مهمته أن يقول ، وبقية الجوارح مهمتها أنْ تفعل . إذن : فاللسان وحده أخذ النصف ، وباقي الجوارح أخذتْ النصف الآخر ذلك لأن حصائد الألسنة عليها المعوّل الأساسي . فكلمة الشهادة : لا إله إلا الله لا بُدَّ من النطق بها لنعرف أنه مؤمن ، ثم يأتي دَوْر الفعل ليُساند هذا القول لذا قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 - 3 ] . وبالقول تبلُغ المناهج للآذان … فكيف تعمل الجوارح دون منهج ؟ ولذلك فقد جعل الحق تبارك وتعالى للأذن وَضْعاً خاصاً بين باقي الحواس ، فهي أول جارحة في الإنسان تؤدي عملها ، وهي الجارحة التي لا تنقضي مهمتها أبداً … كل الجوارح لا تعمل مثلاً أثناء النوم إلا الأذن ، وبها يتم الاستدعاء والاستيقاظ من النوم . وإذا استقرأت آيات القرآن الكريم ، ونظرت في آيات الخلق ترى الحق تبارك وتعالى يقول : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] . ثم هي آلة الشهادة يوم القيامة : { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم … } [ فصلت : 20 ] . ولذلك يقول الحق سبحانه : { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } [ الكهف : 11 ] . ومعنى : ضربنا على آذانهم ، أي : عطلنا الأذن التي لا تعطل حتى يطمئن نومهم ويستطيعوا الاستقرار في كهفهم ، فلو لم يجعل الله تعالى في تكوينهم الخارجي شيئاً معيناً لما استقر لهم نوم طوال 309 أعوام . ويقول الحق تعالى : { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ النحل : 34 ] . بماذا استهزأ الكافرون ؟ استهزأوا بالبعث والحساب وما ينتظرهم من العذاب ، فقالوا كما حكى القرآن : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الصافات : 16 - 17 ] . وقالوا : { أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] . ثم بلغ بهم الاستهزاء أن تعجَّلوا العذاب فقالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأعراف : 70 ] . وقالوا : { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً … } [ الإسراء : 92 ] . وهل يطلب أحد من عدوه أن يُنزِل به العذاب إلا إذا كان مستهزئاً ؟ فقال لهم الحق تبارك وتعالى : إنكم لن تقدروا على هذا العذاب الذي تستهزئون به . فقال : { وَحَاقَ بِهِم … } [ النحل : 34 ] . أي : أحاط ونزل بهم ، فلا يستطيعون منه فراراً ، ولا يجدون معه منفذاً للفكاك ، كما في قوله تعالى : { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } [ البروج : 20 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ … } .