Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمدَّنا الله سبحانه بهذه النعم رحمة منه وفضلاً … نِعَم تترى لا تُعَد ولا تُحْصَى ، ولكن لرتابة النعمة وحلولها في وقتها يتعوّدها الإنسان ، ثم يذهل عن المنعم سبحانه . ونستطيع أن نضرب لذلك مثلاً بالولد الذي تعطيه مصروفه مثلاً كل أول شهر ، تجده لا يحرص على أنْ يلقاك بعد ذلك إلا كل أول شهر ، إنما إذا عوَّدته أن يأخذ مصروفه كل يوم تراه في الصباح يحوم حولك ، ويُظهِر لك نفسه ليُذكِّرك بالمعلوم . إذن : رتابة النعمة قد تُذهِلك عن المُنعِم ، فلا تتذكره إلا حين الحاجة إليه لذا يُنبِّهنا الحق تبارك وتعالى : إذا أعطيتُ لكم نعمة فإياكم أنْ تغتروا بها … إياكم أن تُذهِلكم النعمة عن المنعم لأنكم سوف تحكمون على أنفسكم أنه لا مُنعِم غيري ، بدليل أنني إذا سلبْتُ النعمة منكم فلن تجدوا غيري تلجأون إليه فستقولون : ياربّ ياربّ . فأنت ستكون شاهداً على نفسك ، لن تكذب عليها ، فَلِمَنْ تتوجّه إذا أصابك فقر ؟ ولمن تتوجَّه إذا أصابك مرض ؟ لن تتوجّه إلا إلى الله تقول : يا رب . { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53 ] . فترة الضُّر التي تمرُّ بالإنسان هي التي تلفته إلى الله ، والحاجة هي التي تُلجئه إلى المصدر الحقيقي للإمداد ، فإذا كانت النعمة قد تُذهِله وتُنسِيه ، فالضر يُذكِّره بربّه الذي يملك وحده كَشْف الضر عنه . ولذلك ، فالناس أصحاب اليقين في الله تعالى ساعةَ أنْ يصيبهم ضُرٌّ ، يقول : ذكَّرتني بك ياربّ ، يأخذها على أنها نعمة … كأنها نجدة نجدتْه مما هو فيه من غفلة … يا ربّ أنت ذكّرتني بك … أنا كنتُ ناسياً ذاهلاً … كنت في غفلة . وساعةَ أنْ يعودَ ويشعر بالتقصير يرفع الله عنه البلاء وذلك يُرفع القضاء عن العبد إنْ رضي به وعلم أن فيه خيراً له . ولذلك ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يُنبّهنا لهذه الأحداث التي تصيبنا ، فإياكم أن تستقبلوها بالجزع والفزع … ولكن استقبلوها بالإيمان والرضا ، واعلموا أن ربكم يغار عليكم ، وهو بهذه الأحداث يلفتكم إليه قهراً عنكم لكي تعودوا إليه وتلجأوا إليه … لكي تقولوا يارب . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة في الحديث القدسي : " مِنْ عبادي مِنْ أحبهم فأنا أبتليهم ليقولوا يارب … " . ويقول تعالى في الآية الأخرى : { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ … } [ الأنعام : 43 ] . أي : أنه سبحانه يريد منا إذا نزل بنا بلاء وبأس أنْ نتضرّع إليه سبحانه لأن الضراعة إلى الله لَفْتة وتذكير به … والنبي صلى الله عليه وسلم يُرشِدنا إلى هذه الحقيقة ، فالمصاب الحقيقي ليس مَنْ نزل به ضُرٌّ أو أصابه بلاء … لا … بل المصاب الحقيقي مَنْ حُرِم الثواب . إذن : نقول لمن عنده نعمة : احذر أن تُنسِيِك النعمة وتُذهلك عن المنعم ، أما صاحب البلاء والضر ، فسوف يردُّك هذا البلاء ، ويُذكّرك هذا الضرّ بالله تعالى ، ولن تجدَ غيره تلجأ إليه . فقوله تعالى : { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53 ] . أي : تضْرَعون بصراخ وصوت عالٍ كخُوار البقر ، لا يُسِرّه أحد ولا يستحي منه أنْ يُفتضح أمره أمام مَنْ تكبّر عليهم … ويا ليتكم حين ينتابكم مثل ذلك تعتبرون به وتتعِظُون ، وتقولون في لحظة من اللحظات : سوف تلجئنا الأحداث إلى ربنا … بل بالعكس حينما نكشف عنكم الضر سوف تعودون إلى ما كنتم عليه . ثم يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ … } .