Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 11-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يَدْعُ الدعاء : طلَب ما تعجز عنه من قادر عليه . وأهل النحو يقولون . إن الفعل : ماضٍ ومضارع وأمر . فالأمر : طَلَبٌ من الأعلى إلى الأدنى ، فكلّ طلب من الله لخلْقه فهو أمر ، أو من الأعلى من البشر للأدنى . أما إنْ كان الطلب من مُسَاوٍ لك فهو التماس أو رجاء . فإنْ كان الطلب من الأدنى للأعلى ، كطلب العبد من ربه فهو دعاء . لذلك نجد التدقيق في الإعراب يحفظ لله تعالى مكانته ويُعظّمه ، فنقول للطالب : أعرب : رب اغفر لي ، فيقول : اغفر ، فِعْل دالّ على الدعاء ، لأنه لا يجوز في حَقِّ الموْلَى تبارك وتعالى أن نقول : فعل أمر ، فالله لا يأمره أحد . فأوَّل ما يُفهم من الدعاء أنه دَلَّ على صفة العجز والضعف في العبد ، وأنه قد اندكتْ فيه ثورة الغرور ، فعَلِم أنه لا يقدر على هذا إلا الله فتوجه إليه بالدعاء . بِالشَّرِّ بالمكروه ، والإنسان لا يدعو على نفسه ، أو على ولده ، أو على ماله بالشر إلا في حالة الحنَق والغضب وضيق الأخلاق ، الذي يُخرِج الإنسان عن طبيعته ، ويُفقِده التمييز ، فيتسرّع في الدعاء بالشر ، ويتمنى أن يُنّفذ الله له مَا دعا به . ومن رحمة الله تعالى بعباده ألاَّ يستجيب لهم هذا الدعاء الذي إنْ دلَّ فإنما يدلّ على حُمْق وغباء في العبد . وكثيراً ما نسمع أماً تدعو على ولدها بما لو استجاب الله له لكانت قاصمة الظهر لها ، أو نسمع أباً يدعو على ولده أو على ماله ، إذن : فمن رحمة الله بنا أنْ يفوت لنا هذا الحمق ، ولا يُنفّذ لنا ما تعجّلناه من دُعاءٍ بالشر . قال تعالى : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [ يونس : 11 ] . أي : لو استجاب الله لهم في دعائهم بالشر لكانت نهايتهم . وإن كنت تُُسَرّ وتسعد بأن ربك سبحانه وتعالى فوّتَ لك دعوة بالشر فلم يَسْتجب لها ، وأن لعدم استجابته سبحانه حكمةً بالغةً . فاعلم أن لله حكمة أيضاً حينما لا يستجيب لك في دعوة الخير ، فلا تقُلْ : دعوتُ فلم يستجِبْ لي ، واعلم أن لله حكمة في أن يمنعك خيراً تُريده ، ولعله لو أعطاك هذا الخير لكان وبالاً عليك . إذن : عليك أن تقيسَ الأمريْن بمقياس واحد ، وترضى بأمر الله في دعائك بالخير ، كما رضيت بأمره حين صرف عنك دعاء الشر ، ولم يستجب لك فيه . فكما أن له سبحانه حكمة في الأولى ، فلَه حكمة في الثانية . وقد دعا الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم ، فقالوا : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ … } [ الأنفال : 32 ] . وقالوا : { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً … } [ الإسراء : 92 ] . ولو استجاب الله لهم هذا الدعاء لَقَضى عليهم ، وقطع دابرهم ، لكن لله تعالى حكمة في تفويت هذا الدعاء لهؤلاء الحَمْقى ، وها هم الكفار باقون حتى اليوم ، وإلى أن تقوم الساعة . وكان المنتظر منهم أن يقولوا : اللهم إنْ كان هذا هو الحقّ من عندك فاهْدنا إليه ، لكن المسألة عندهم ليست مسألة كفر وإيمان ، بل مسألة كراهية لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولما جاء به ، بدليل أنهم قَبلوا الموت في سبيل الكفر وعدم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم . ومن طبيعة الإنسان العجلة والتسرُّع ، كما قال تعالى : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءَايَٰتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [ الأنبياء : 37 ] . فكثيراً ما يدعو الإنسان بالخير لنفسه أو بما يراه خيراً ، فلا يجد وراءه إلا الشر والتعب والشقاء ، وفي المقابل قد يُنزل الله بك ما تظنه شراً ، ويسوق الله لك الخير من خلاله . إذن : أنت لا تعلم وَجْه الخير على حقيقته ، فدع الأمر لربك عز وجل ، واجعل حظك من دعائك لا أنْ تُجابَ إلى ما دعوت ، ولكن أن تظهر ضراعة عبوديتك لِعزّة ربك سبحانه وتعالى . ومعنى : { دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ … } [ الإسراء : 11 ] . أي : أن الإنسان يدعو بالشر في إلحاح ، وكأنه يدعو بخير . ثم يقول الحق سبحانه : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً … } .