Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 27-27)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلمة أخ تُجمع على إخْوة وإخْوان . وإخوة : تدلّ على أُخوّة النسب ، كما في قوله تعالى : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ … } [ يوسف : 58 ] . وتدل أيضاً على أخوة الخير والورع والتقوى ، كما في قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ … } [ الحجرات : 10 ] . ومنها قوله تعالى عن السيدة مريم : { يٰأُخْتَ هَارُونَ … } [ مريم : 28 ] . والمقصود : هارون أخو موسى - عليهما السلام - وبينهما زمن طويل يقارب أحد عشر جيلاً ، ومع ذلك سماهما القرآن إخوة أي أخوّة الورع والتقوى . أما : إخوان ، فتدل على أن قوماً اجتمعوا على مبدأ واحد ، خيراً كان أو شراً ، فقد تدلّ على الاجتماع في الخير ، كما في قوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً … } [ آل عمران : 103 ] . وقد تدل على الاجتماع في الشر ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ … } [ الإسراء : 27 ] . فكأن المبذرين اجتمعوا مع الشياطين في هوية واحدة ، ووُدٍّ واحد ، وانتظمتهما صفات واحدة من الشر . إذن : كلمة إخْوَة تدل على أُخُوّة النسب ، وقد تتسامى لتدل على أُخوّة الإيمان التي تنهار أمام قوتها كل الأواصر . ونذكر هنا ما حدث في غزوة بدر بين أخويْنِ من أسرة واحدة هما " مصعب بن عمير " بعد أن آمن وهاجر إلى المدينة وخرج مع جيش المسلمين إلى بدر وأخوه " أبو عزيز " وكان ما يزال كافراً ، وخرج مع جيش الكفار من مكة ، والتقى الأخوان : المؤمن والكافر . " ومعلوم أن " مصعب بن عمير " كان من أغنى أغنياء مكة ، وكان لا يرتدي إلا أفخر الثياب وألينها ، ويتعطر بأثمن العطور حتى كانوا يسمونه مُدلَّل مكة ، ثم بعد أنْ آمنَ تغيّر حاله وآثر الإيمان بالله على كل هذا الغنى والنعيم ، ثم بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليعلّم الناس أمور دينهم ، وفي غزوة أحد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتدي جلد شاة ، فقال : " انظروا ما فعل الإيمان بأخيكم " . فماذا حدث بين الأخويْنِ المؤمن والكافر ؟ وأيّ الصلات كانت أقوى : صلة الإيمان بالله ، أم صلة النسب ؟ لما دارتْ المعركة نظر مصعب ، فإذا بأخيه وقد أَسَرَهُ أحد المسلمين اسمه " أبو اليَسرَ " فالتفتَ إليه . وقال : يا أبا اليَسَر اشدد على أسيرك ، فأُمّه غنية ، وسوف تفديه بمال كثير . فنظر إليه " أبو عزيز " وقال : يا مصعب ، أهذه وصاتك بأخيك ، فقال له مصعب : هذا أخي دونك . فأخوة الدين والإيمان أقوى وأمتن من أخوة النسب ، وصدق الله تعالى حين قال : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ … } [ الحجرات : 10 ] . قوله : { إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ … } [ الإسراء : 27 ] . أي : أن الحق تبارك وتعالى جعلهما شريكين في صفة واحدة هي التبذير والإسراف ، فإنْ كان المبذّر قد أسرف في الإنفاق ووَضْع المال في غير حِلِّه وفي غير ضرورة . فإن الشيطانَ أسرف في المعصية ، فلم يكتفِ بأن يكون عاصياً في ذاته ، بل عدّى المعصية إلى غيره وأغوى بها وزيّنها لذلك وصفه الحق سبحانه بقوله : { وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } [ الإسراء : 27 ] . ليس كافراً فحسب ، بل كفور وهي صيغة مبالغة من الكفر لأنه كَفر وعمل على تكفير غيره . ثم يقول الحق سبحانه : { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا … } .