Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولنا أنْ نسأل : عَمَّنْ يكون الإعراض ؟ فقد سبق الحديث عن الوالدين والأقارب والمسكين وابن السبيل ، والإعراض عن هؤلاء لا يتناسب مع سياق الآية لأنه إعراض عن طاعة الله ، بدليل قوله : { ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا … } [ الإسراء : 28 ] . فالله تعالى في ذهنك ، وتبتغي من وراء هذا الإعراض رحمة الله ورزقه وسِعَته . إذن : الإعراض هنا ليس معصية أو مخالفة . فماذا إذن الغرض من الإعراض هنا ؟ نقول : قد يأتيك قريب أو مسكين أو عابر سبيل ويسألك حاجة وأنت لا تملكها في هذا الوقت فتخجل أنْ تواجهه بالمنع ، وتستحي منه ، فما يكون منك إلا أنْ تتوجه إلى ربّك عز وجل وتطلب منه ما يسدُّ حاجتك وحاجة سائلك ، وأن يجعل لك من هذا الموقف مَخْرجاً . فالمعنى : إما تُعرضنّ عنهم خجلاً وحياءً أنْ تواجههم ، وليس عندك ما يسدُّ حاجتهم ، وأنت في هذا الحال تلجأ إلى الله أنْ يرحمك رحمةً تسعك وتسعهم . وقوله تعالى : { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } [ الإسراء : 28 ] . كما قال في موضع آخر في مثل هذا الموقف : { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى … } [ البقرة : 263 ] . فحتى في حال المنع يجب على المسلم أن يلتزم الأدب ، ولا يجرح مشاعر السائل ، وأنْ يردّه بلين ورِفْق ، وأنْ يُظهر له الحياء والخجل ، وألاّ يتكبر أو يتعالى عليه ، وأن يتذكر نعمة الله عليه بأنْ جعله مسئولاً لا سائلاً . إذن : فالعبارات والأعمال الصالحة في مثل هذا الموقف لا يكفي فيها أن تقول : ما عندي ، فقد يتهمك السائل بالتعالي عليه ، أو بعدم الاهتمام به ، والاستغناء عنه ، وهنا يأتي دور الارتقاءات الإيمانية والأريحية للنفس البشرية التي تسمو بصاحبها إلى أعلى المراتب . وتأمل هذا الارتقاء الإيماني في قوله تعالى عن أصحاب الأعذار في الجهاد : { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } [ التوبة : 92 ] . هذه حكاية بعض الصحابة الذين أتوا رسول الله ليخرجوا معه إلى الجهاد ، ويضعوا أنفسهم تحت أمره وتصرّفه ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذر لهم ، فليس لديه من الركائب ما يحملهم عليه إلى الجهاد . فماذا كان من هؤلاء النفر المؤمنين ؟ هل انصرفوا ولسان حالهم يقول : لقد فعلنا ما علينا ويفرحون بما انتهوا إليه ؟ لا ، بل : { تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } [ التوبة : 92 ] . وهكذا يرتقي الإيمان بأهله ، ويسمو بأصحابه ، فإذا لم يقدروا على الأعمال النزوعية ، فالأعمال القولية ، فإذا لم يقدروا على هذه أيضاً فلا أقلّ من الانفعال العاطفي المعبِّر عن حقيقة الإيمان الذي يفيض دمع الحزْن لضيق ذات اليد . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ … } .