Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذَلِكَ } أي : ما تقدّم من الوصايا . { ٱلْحِكْمَةِ } هي : وَضعْ الشيء في مَوْضِعه المؤدّي للغاية منه ، لِتظلَّ الحكمة سائدة في المجتمع تحفظه من الخلل والحمْق والسَّفَه والفساد . وقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ … } [ الإسراء : 39 ] . لسائل أنْ يسأل : لماذا كرَّر هذا النهي ، وقد سبق أنْ ذُكِر في استهلال المجموعة السابقة من الوصايا ؟ الحق سبحانه وتعالى وضع لنا المنهج السليم الذي يُنظِّم حياة المجتمع ، وقد بدأه بأن الإله واحد لا شريكَ له ، ثم عدّل نظام المجتمع كله بطبقاته وطوائفه وأَرْسى قواعد الطُّهْر والعِفّة ليحفظ سلامة النسل ، ودعا إلى تواضع الكُلِّ للكُلِّ . فالحصيلة النهائية لهذه الوصايا أنْ يستقيم المجتمع ، ويسعد أفراده بفضل هذا المنهج الإلهي . إذن : فإياك أنْ تجعلَ معه إلهاً آخر ، وكرَّر الحق سبحانه هذا النهي : { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ … } [ الإسراء : 39 ] . لأنه قد يأتي على الناس وقتٌ يُحْسنون الظن بعقول بعض المفكرين ، فيأخذون بأقوالهم ويسيرون على مناهجهم ، ويُفضّلونها على منهج الحق تبارك وتعالى ، فيفتنون الناس عن قضايا دينهم الحق إلى قضايا أخرى يُوهِمون الناس أنها أفضل مما جاء به الدين . إذن : لا يكفي أن تؤمن أولاً ، ولكن احذر أنْ يُزحزحك أحد عن دينك فلا تجعل مع الله إلهاً آخر يفتنك عن دينك ، فتكون النتيجة : { فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } [ الإسراء : 39 ] . { مَلُوماً } : لأنك أتيتَ بما تُلاَم عليه ، { مَّدْحُوراً } : أي : مطرود مُبْعَداً من رحمة الله ، وهذا الجزاء في الآخرة . أما الذي لا يؤمن بها ، فلا بُدَّ لكي نستطيع العيش معه في الدنيا ، أن يُذيقه الله بعض العذاب ، ويُعجِّله له في الدنيا قبل عذاب الآخرة ، كما قال تعالى : { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً … } [ طه : 123 - 124 ] أي : في الدنيا . وقد ذكر الحق سبحانه وتعالى في قصة ذي القرنين : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً * قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } [ الكهف : 86 - 87 ] فقوله : { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ … } [ الكهف : 87 ] لأنه مُمكَّن في الأرض ، ومَنُوط به حِفْظ ميزان الحياة واستقامتها ، حتى عند الذين لا يُؤمنون بالآخرة ، وإلا فلو أخَّرْنا العذاب عن هؤلاء إلى الآخرة لأفسدوا على الناس حياتهم ، وعاثوا في الأرض يُعربِدون ويُفسِدون . ولذلك لا يموت ظلوم في الكون حتى ينتقمَ الله منه ، ويذيقه عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ، ولا بُدَّ أنْ يراه المظلوم ليعلم أن عاقبة الظلم وخيمة ، في حين أن المظلوم في رعاية الله وتأييده ينصره بما يشاء من نعمه وفضله ، حتى إن الظالم لو علم بما أعدَّه الله للمظلوم لَضَنَّ عليه بالظلم . ثم يقول الحق سبحانه : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً … } .