Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 41-41)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ صَرَّفْنَا } أي : حَوَّلْنا الشيء من حال إلى حال ، ومنها قوله تعالى : { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ … } [ البقرة : 164 ] . يعني تغييرها من حال إلى حال ، فمرة : تراها سَكْسكَاً عليلة هادئة ، ومرّة تجدها رُخَاءً أي : قوية ، ومرة : تجدها إعصاراً مدمراً . والرياح قد تكون لواقح تأتي بالخير والنماء ، وقد تكون عقيماً لا خير فيها . هذا هو المراد بالتصريف . فمعنى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ … } [ الإسراء : 41 ] . أي : صرف مسألة ادعاء اتخاذ الله الأبناء في القرآن ، وعالجها في كثير من المسائل لأنه أمر مهم عالجه القرآن علاجاتٍ متعددة في مقامات مختلفة من سُوره ، فتكرر ذِكْر هذه المسألة . والتكرار قد يكون في ذات الشيء ، وقد يكون باللَّف بالشيء ، كما في قوله تعالى : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] . وقوله : { وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [ الإسراء : 41 ] . أي : بدلَ أنْ يذكروا ويعودوا إلى جَادّة الصواب ازدادوا إعراضاً ونفوراً . ولنا أن نسأل : لماذا الإعراض والنفور منهم ؟ لأنهم أرادوا الاحتفاظ بالسلطة الزمنية التي كانت لهم قبل الإسلام ، ولكي نوضح المقصود بالسلطة الزمنية نقول : لو درسنا تواريخ القوانين في العالم نجد أن القانون الوضعيّ الذي وضعه البشر لم يَأْتِ أول الأمر ، بل جاء نتيجة تسلُّط الكهنة ، وكانوا هم أصحاب القانون يضعونَه باسم الدين ، ويلزمون الناس به ، ولكن لُوحِظ عليهم أنهم يحكمون في قضية ما بحكم ، ثم بعد فترة يحكمون في نفس القضية بحكم مخالف للأول ، فانصرف الناس عن أحكام الكهنة ، ووضعوا لأنفسهم هذه القوانين الوضعية ، وبذلك أصبح لهؤلاء ما يُسمَّى بالسلطة الزمنية . وهذه السُّلْطة الزمنية هي التي منعتْ يهود المدينة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كانوا على علم ومعرفة بأوصافه وبرسالته وزمن بعثته ، وكانوا حينما يروْنَ عُبّاد الأصنام في مكة يقولون لهم : سيأتي زمان يُبعث فيه نبي في هذا البلد ، وسوف نتبعه ، ونقتلكم به قتل عاد وإرم ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، وقد كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا . وعن هذا يقول الحق سبحانه في حق يهود المدينة : { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 89 ] . لقد تنكَّر اليهود لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، مع أنهم على يقين من صِدْقه لأن هذه الرسالة ستحرمهم هذه السلطة الزمنية ، وستقضي على السيادة العلمية والسيادة الاقتصادية والسيادة الحربية التي كانت لهم قبل الإسلام . ثم يقول الحق سبحانه : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ … } .