Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 67-67)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

البحر هو المزنق والضائقة التي لا يستطيع الخلاص منها إنْ أصابه فيه سوء ، فالبر منافذ النجاة فيه متعددة ، أما البحر فلا نجاة فيه إلا بعناية الله ، يقول تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ … } [ يونس : 22 ] . وهكذا الإنسان حتى الكافر ، إذا ضاقتْ به الحِيَل ولم يجد مَنْفذاً يلجأ إلى الله المنقذ الحقيقي والمفرِّج للكَرْب ، والإنسان عادة لا يُسلم نفسه ويظلّ مُتعلّقاً بالأمل في النجاة . فقوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ … } [ الإسراء : 67 ] . أي : أحاط بهم الخطر بالريح العاصف أو الموج العالي ، وأحسُّوا بخطورة الموقف ولا مُنقِذَ لهم إلا الله ، حتى الكفار في هذا الموقف يَصْدُقون مع أنفسهم ، ولا يخدعونها ولا يكذبون عليها ، فإنْ آمنوا بآلهة أخرى وإنْ عبدوا الأصنام والأوثان ، فإنهم في هذا الضيق لا يلجأون إلا إلى الله ، ولا يدعون إلا الله لأنهم يعلمون تماماً أن آلهتهم لا تسمع ولا تجيب ، ولا تملك لهم نفعاً ولا نجاة . قوله تعالى : { ضَلَّ مَن تَدْعُونَ … } [ الإسراء : 67 ] أي : ذهب عن بالكم مَن اتخذتموهم آلهة ، وغابوا عن خاطركم ، فلن يقولوا هنا يا هبل لأنهم لن يغشُّوا أنفسهم ، ولن ينساقوا وراء كذبهم في هذا الوقت العصيب . إنهم في هذا الضيق لن يتذكروا آلهتهم ، ولن تخطرَ لهم ببال أبداً لأن مجرد تذكّرهم يُضعِف ثقتهم في الله الذي يملك وحده النجاة ، والذي يطلبون منه المعونة . وسبق أن أوضحنا هذه المسألة بقصة حلاق الصحة في الريف الذي يتولى علاج البسطاء ، ويدّعي العلم والخبرة ، فإذا ما مرض ولده فإنه يُسرع به إلى الطبيب ، لأنه إنْ خدع الناس فلن يخدع نفسه ، وإنْ كذب عليهم فلن يكذب على نفسه . وكذلك الإنسان لا يبيع نفسه رخيصاً ، فإنْ أحاطتْ به الأخطار لا يلجأ إلا إلى الله لأنه وحده القادر على تفريج الكروب وإغاثة الملهوف ، حتى وإنْ كان كافراً لأنه سبحانه هو الذي أمره أنْ يلجأ إليه ، وأنْ يدعوه ، فقال : { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ … } [ الأنعام : 43 ] . فإنْ دَعَوهُ سمع لهم وأجابهم على كفرهم وعنادهم لأنهم عباده وخَلْقه وصَنْعته ، فما أرحمه سبحانه حتى بمَنْ كفر به ! لذلك قال رب العزة في الحديث القدسي : " قالت الأرض : يا رب إئذن لي أن أخسف بابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت السماء : يا رب إئذن لي أن أسقط كِسَفاً على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت الجبال : يا رب إئذن لي أن أَخِرَّ على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت البحار : يا رب إئذن لي أن أُغرِقَ ابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك . فقال تعالى : دعوني وما خلقت ، لو خلقتموهم لرحمتموهم ، فإنهم عبادي ، فإنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم ، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم " . لقد غفر لهم الحق سبحانه أن يعبدوا غيره ، وأن يؤذوا النبوة ، وأنْ يقفوا في وجه الدعوة ، غفر لهم لأنه ربٌّ ، وما دام رباً فهو رحيم ، فتضرعوا إليه ودَعَوْهُ ، فلمّا نجّاهم إلى البر أعرضوا ، وعادوا لما كانوا عليه وتنكّروا للجميل والمعروف لذلك يقول تعالى بعدها : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } [ الإسراء : 67 ] . وكفور : صيغة مبالغة من الكفر ، أي : كثير الكفر للنعمة ، ولَيْتَه كفر بنعمة الخلق فقال : إنه أتى هكذا من فعل الطبيعة ، إنما كفر بنعمة ملموسة مشاهدة عاش مأزقها ، وقاسى خطرها ، ثم إذا نجَّاه الله أعرض وتمرَّد ، وهذا من طبيعة الإنسان . ثم يقول الحق سبحانه : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً … } .