Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 70-70)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهل هناك تكريم لبني آدم أعظم من أنْ يُعدّ لهم مُقوّمات حياتهم قبل أنْ يخلقهم ؟ لقد رتَّب لهم الكون وخلق من أجلهم الأشياء { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً … } [ البقرة : 29 ] . إذن : فكل ما في الوجود مُسخَّر لكم من قبل أنْ تُوجَدوا لأن خلق الله تعالى إما خادم وإما مخدوم ، وأنت أيُّها الإنسان مخدوم من كل أجناس الكون حتى من الملائكة ، ألم يَقُلْ الحق سبحانه : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ … } [ الرعد : 11 ] . وقال تعالى : { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } [ النازعات : 5 ] . فالكون كله يدور من أجلك وفي خدمتك ، يعطيك عطاءً دائماً لا ينقطع دون سَعْي منك ، لذلك نقول : كان من الواجب على العقل المجرد أنْ يقفَ وقفة تأمُّل وتفكُّر ليصل إلى حَلٍّ للغز الكون ، وليهتدي إلى أن له خالقاً مُبْدعاً ، يكفي أن أنظر إلى آيات الله التي تخدمني ، وليس له قدرة عليها ، وليست تحت سيطرتي ، فالشمس والقمر والنجوم والأرض والهواء والماء والمطر والسحاب كلها تعطيني وتُمدّني دون قدرة لي عليها ، أليس من الواجب عليك عدلاً أن تقول : مَنِ الذي أعدّ لي كلَّ هذه الأشياء التي ما ادَّعاهَا أحد لنفسه ؟ فإذا ما صاح صائح منك أيُّها الإنسان وقال : أنا رسول من الرب الذي خلق لكم كل هذه المخلوقات ، كان يجب عليكم أنْ تُرهِفُوا له السمع لتسمعوا ما جاء به لأنه سوف يحلُّ لكم هذا اللغز الذي حيّركم . وسبق أنْ ضربنا مثلاً لذلك بالرجل الذي انقطعتْ به السُّبل في الصحراء حتى أشرف على الهلاك ، فإذا هو بمائدة مُعدَّة بأطايب الطعام والشراب ، أليس حَرياً به قبل أنْ تمتد يده إليها أنْ يفكر كيف أتتْه ؟ إذن : كان على الإنسان أن يُعمل عقله وفِكْره في معطيات الكون التي تخدمه وتسخر من أجله ، وهي لا تأتمر بأمره ولا تخضع لقدرته . ولقد اختلف العلماء في بيان أَوْجُه التكريم في الإنسان ، فمنهم مَنْ قال : كُرِّمَ بالعقل ، وآخر قال : كُرِّمَ بالتمييز ، وآخر قال : كُرِّمَ بالاختيار ، ومنهم مَنْ قال : كُرِّمَ الإنسان بأنه يسير مرفوع القامة لا مُنحنياً إلى الأرض كالبهائم ، ومنهم مَنْ يرى أنه كُرِّمَ بشكل الأصابع وتناسقها في شكل بديع يسمح لها بالحركة السلسة في تناول الأشياء ، ومنهم مَنْ يرى أنه كُرِّم بأن يأكلَ بيده لا بفمه كالحيوان . وهكذا كان لكل واحد منهم مَلْحظ في التكريم . ولنا في مسألة التكريم هذه ملحظ كنت أودُّ أنْ يلتفت إليه العلماء ، أَلاَ وهو : أن الحق سبحانه خلق الكون كله بكلمة كُنْ إلا آدم ، فقد خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ، قال تعالى : { يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص : 75 ] . وقال : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ] . فقمة الفضل والتكريم أن خلق الله تعالى أبانا آدم بيده ، بدليل أن الله جعلها حيثية له . ثم يقول الحق سبحانه : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ … } .