Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 73-73)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه خبيثة جديدة من خبائثهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كانوا يحاولون جادِّين أنْ يصرفوا رسول الله عما بعثه الله به ، فمرة يقولون له : دَعْ آلهتنا نتمتع بها سنة ونأخذ الغنائم من ورائها وتحرم لنا بلدنا - أي : ثقيف - كما حرمت مكة . ومرة يقولون له : لا تستلم الحجر ويمنعونه من استلامه حتى يستلم آلهتهم أولاً . ومعنى { كَادُواْ } أي قاربوا ، والمقاربة غير الفعل ، فالمقاربة مشروع فعل وتخطيط له ، لكنه لم يحدث ، إنهم قاربوا أنْ يفتنوك عن الذي أُنزِل إليك لكن لم يحدث لأن محاولاتهم كانت من بعيد ، فهي تحوم حول فتنتك عن الدين ، كما قالوا مثلاً : نعبد إلهك سنة ، و تعبد آلهتنا سنة . ومعنى : { لَيَفْتِنُونَكَ } لَيُحوّلونك ويَصْرِفونك عما أنزل الله إليك ، لماذا ؟ { لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ … } [ الإسراء : 73 ] كما حكى القرآن عنهم في آية أخرى : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ … } [ يونس : 15 ] . فيكون الجواب من الحق سبحانه : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ يونس : 15 ] . وقال تعالى : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] . ونلاحظ في مثل هذا الموقف أن الحق سبحانه يتحمل العنت عن رسوله ، وينقل المسألة من ساحة الرسول إلى ساحته تعالى ، لكي لا تكون عداوة بين محمد وقومه ، فالأمر ليس من عند محمد بل من عند الله ، يقول تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] . فلا تحزن يا محمد ، فأنت مُصَدَّق عندهم ، لكن المسألة عندي أنا ، وهكذا يتحمل الحق سبحانه الموقف عن رسوله حتى لا يحمل القوم ضغينة لرسول الله . ثم يقول تعالى : { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } [ الإسراء : 73 ] . الخليل : هو المخالّ الذي بينك وبينه حُبٌّ ومودّة ، بحيث يتخلل كل منكما الآخر ويتغلغل فيه ، ومنه قوله تعالى في إبراهيم : { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } [ النساء : 125 ] . ومنه قول الشاعر : @ وَلَمَّا التقيْنَا قَرَّبَ الشَّوْقُ جَهْدَهُ خَليليْنِ ذَابَا لَوْعَةً وَعِتَابَا كأنَّ خَليِلاً فِي خِـلاَلِ خَلِيِلِه تَسَرَّبَ أثناءَ العِنَاقِ وَغَابَا @@ فإذا ما تقابل الخليلان ذاب كل منهما في صاحبه أو تخلَّله ودخل فيه . فالمعنى : لو أنك تنازلتَ عن المنهج الذي جاءك من الله لَصِرْتَ خليلاً لهم ، كما كنت خليلاً لهم من قبل ، وكانوا يحبونك ويقولون عنك " الصادق الأمين " . إذن : الذي جعلهم في حالة عداء لك هو منهج الله جئتَ به ، فلو تنازلتَ عنه أو تهاونت فيه فسوف يتخذونك خليلاً ، فلا تكُنْ خليلاً لهم بل خليلاً لربك الذي أرسلك . ويخاطب الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ … } .