Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 74-74)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْلاَ } أداة شرط إن دخلت على الجملة الإسمية ، وتفيد امتناع وجود الجواب لوجود الشرط ، ويسمونها حرف امتناع لوجود ، كما لو قلت : لولا زيدٌ عندك لَزُرْتُكَ ، فقد امتنعت الزيارة لوجود زيد . فإنْ دخلت لولا على الجملة الفعلية أفادتْ الحثَّ والحضَّ ، كما في قوله تعالى : { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ … } [ النور : 13 ] . ولولا في الآية دخلتْ على جملة إسمية لأن أن بعدها مصدرية ، فالمعنى : لولا تثبيتنا لك لقاربتَ أن تركنَ إليهم شيئاً قليلاً . والمتأمل في هذه الآية يجدها تحتاط لرسول الله عدة احتياطات ، فلم تقُلْ : لولا تثبيتنا لك لَركنتَ إليهم ، لا ، بل لَقاربتَ أنْ تركنَ فمنعتْ مجرد المقاربة ، أما الركون فهو أمر بعيد وممنوع نهائياً وغير مُتصوّر من رسول الله ، ومع ذلك أكّد سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله : { شَيْئاً قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] أي : ركوناً قليلاً . مما يدلُّ على أن طبيعته صلى الله عليه وسلم - حتى دون الوحي من الله - طبيعة سليمة بفطرتها ، فلو تصوَّرنا عدم التثبيت له من الله ماذا كان يحدث منه ؟ يحدث مجرد كاد أو قَرُب أنْ يركنَ إليهم شيئاً قليلاً ، وقلنا : إن المقاربة تعني مشروعَ فِعْل ، لكنه لم يحدث ، مِمّا يدلُّ على أن لرسول الله ذاتية مستقلة . ومعنى { ثَبَّتْنَاكَ … } [ الإسراء : 74 ] التثبيت هو منع المثبَّت أنْ يتأرجح ، لذلك نقول للمتحرك : اثبت . ومعنى : { تَرْكَنُ } من ركون الإنسان إلى شيء يعتصم به ويحتمي ، والناس يبنون الحوائط ليحموا بها ممتلكاتهم ، وإذا احتمى الإنسان بجدار فأسند ظهره إليه مَثلاً فقد حَمَى ظهره فقط ، وأمن أنْ يأتيه أحد من ورائه ، فإنْ أراد أنْ يحميَ جميع جهاته الأربع ، فعليه أن يلجأ إلى رُكْن وأنْ يسند ظهره إلى الركن فيأمن من أمامه ، ويحتمي بجدار عن يمينه وجدار عن شماله . إذن : الركون أن تذهب إلى حِرْز يمنعك من جميع جهاتك . ومن الركون قوله تعالى عن لوط عليه السلام مع قومه : { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } [ هود : 80 ] أي : أحتمي به وألجأ إليه . والحق سبحانه في هذه الآيات يريد أنْ يستلَّ السخيمةَ على محمد صلى الله عليه وسلم من قلوب أعدائه لأنه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هدايتهم وتأليف قلوبهم ، وقد كان يشقُّ على نفسه ويُحمّلها ما لا تطيق في سبيل هذه الغاية ، ومن ذلك ما حدث من تَرْكه عبد الله بن أم مكتوم الذي جاءه سائلاً ، وانصرافه عنه إلى صناديد قريش لذلك عتب عليه ربه تبارك وتعالى لأنه شقَّ على نفسه . وكأن الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يقول : يا قوم إنْ لم يوافقكم محمد على ما كنتم تريدون منه من الانصراف عَمَّا أُنزِل إليه من ربه ، فاعذروه لأن الأمر عندي والتثبيت مني ، ولا ذنب لمحمد فيما خالفكم فيه ، كما لو كان عندك خادم مثلاً ارتكب خطأ ما ، فأردتَ أنْ تتحمل عنه المسئولية ، فقلت : أنا الذي كلفتُه بهذا وأمرتُه به ، فالأمر عندي وليس للخادم ذنب فيما فعل . ثم يقول الحق سبحانه : { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ … } .