Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 78-78)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فالصلاة هي الفريضة الثابتة المتكررة التي لا تسقط عن المسلم بأي حال ، وفيها إعلانُ ولاء للإيمان بالله كل يوم خمس مرات ، وهي أيضاً تنتظم كل أركان الإسلام لأنك في الصلاة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فبدل أنْ كنتَ تقولها مرة واحدة ها أنت تقولها عدة مرات في كل صلاة ، وهذا هو الركن الأول . كما أنها تشتمل على الصوم لأنك تصوم في أثناء الصلاة فتمتنع عن شهوتَيْ البطن والفرج ، وكذلك عن أيِّ فعل غير أفعال الصلاة ، وعن الكلام في غير ألفاظ الصلاة . إذن : في الصلاة صيام بالمعنى الأوسع للصوم . وفي الصلاة زكاة لأن المال الذي تكتسبه وتُزكِّيه ناتج عن الحركة ، والحركة فرع الوقت ، وفي الصلاة تُضحّي بالوقت نفسه ، فكأن الزكاة في الصلاة أبلغ . وكذلك في الصلاة حج لأنك تتوجّه فيها إلى كعبة الله ، وتستحضرها في ذِهْنك وأمام ناظريْكَ . لذلك استحقت الصلاة أن تكون عماد الدين ، مَنْ أقامها فقد أقام الدين ، ومَنْ هدمها فقد هدم الدين ، ومن هنا جاءت الصلاة في أول هذه الأحكام ، فقال تعالى : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ … } [ الإسراء : 78 ] أي : أدِّها أداءً كاملاً في أوقاتها . والصلاة لها مَيْزة عن كل أركان الإسلام لأن كل تكليفات الإسلام جاءت بواسطة الوحي لرسول الله إلا الصلاة ، فقد فُرِضَتْ بالمباشرة مما يدلُّ على أهميتها ، وقد مثَّلنَا لذلك - ولله المثل الأعلى - بالرئيس الذي يتصل بمرؤوسه تليفونياً ليأمره بشيء ، فإذا كان هذا الشيء من الأهمية بمكان استدعاه إليه وأفهمه ما يريد . وهكذا كانت الصلاة ، فقد فُرِضَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بالمباشرة لما لها من أهمية بين فراض الدين ، ثم تولى جبريل عليه السلام تعليم رسول الله الصلاة ، وعَلَّمها رسول الله للناس ، وقال : " صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي " . وقوله تعالى : { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ … } [ الإسراء : 78 ] . الحق سبحانه يريد أن يُبيِّن لنا مواقيت الصلاة . والدلوك معناه : الزوال من حركة إلى حركة ، ومنها قولنا : فلان المدلكاتي أي : الذي يتولّى عملية التدليك ، وتتحرك يده من مكان لمكان . والمراد بدلوك الشمس : مَيْلها عن وسط السماء إلى ناحية الغرب ، والإنسان يرى الأفق الواسع إذا نظر إلى السماء ، فيراها على شكل قوس ممتدّ وعلى حَسْب نظره وقوته يرى الأفق ، فإنْ كان نظره قوياً رأى الأُفُقْ واسعاً ، وإنْ كان نظره ضعيفاً رأى الأفق ضيّقاً لذلك يقولون لقليل التفكير : ضيِّق الأفق . وأنت حين تقف في مكانك وتنظر إلى السماء تراها على شكل نصف دائرة ، وأنت مركزها ، وساعةَ أنْ ترى الشمس عمودية عليك ، فهذا وقت الزوال ، فإذا ما انحرفتْ الشمس ناحية المغرب يُقَال : دلكت الشمس . أي : مالت ناحية المغرب ، وهذا هو وقت الظهر . والمتأمل في فَرْض الصلاة على رسول الله يجد أن الظُّهْر هو أول وقت صَلاَّه رسول الله لأن الصلاة فُرِضَتْ عليه في السماء في رحلة المعراج ، وكانت بليل ، فلما عاد صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الظهر ، فكانت هي الصلاة الأولى . ثم يقول تعالى : { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ … } [ الإسراء : 78 ] أي : أقِم الصلاة عند دُلوك الشمس إلى متى ؟ إلى غَسَق الليل أي : ظُلْمته ، وفي الفترة من دُلوك الشمس إلى ظُلمة الليل تقع صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ولا يبقى إلى صلاة الصبح ، فقال عنها سبحانه وتعالى : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء : 78 ] ونتساءل هنا : لماذا ذكر قرآن الفجر ولم يَقُلْ صلاة ؟ قالوا : لأن القرآن في هذا الوقت حيث سكون الكون وصفاء النفوس ، فتتلقى القرآن نديّاً طريّاً وتستقبله استقبالاً واعياً قبل أن تنشغل بأمور الحياة { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء : 78 ] . أي : تشهده الملائكة . إذن : المشهودية لها دَخْل في العبادة ، فإذا كانت مشهودية مَنْ لا تكليف عليه في الصلاة جعلها الله حيثية ، فكيف بمشهودية مَنْ كُلِّف بالصلاة ؟ والحق سبحانه وتعالى جعل في صلاة الجماعة استطراقاً للعبودية ، ففي صلاة الجماعة يستوي كل الخَلْق حيث يخلعون وجاهتهم ، ويخلعون أقدارهم على أبواب المسجد ، كما يخلعون أحذيتهم ، فالرئيس بجانب المرؤوس والوزير بجانب الخفير . لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُوطِّن الإنسان لنفسه مكاناً في المسجد ، يجلس فيه باستمرار لأن الأصل أنْ يجلس المصلي حيث ينتهي به المجلس ، فيجلس الناس بأولوية الحضور كل حَسْب مكانه ومبادرته للصلاة ، فلا يتخطى الرقاب ، ولا يُفرق بين اثنين . ونرى بعض المصلين يسارع إلى الصفِّ الأول مثلاً ، ويضع سجادته ليحجزَ بها مكاناً ، ثم ينصرف لحَاجته ، فإذا ما تأخر عن الصلاة أتى ليتخطّى رقاب الناس ليصل إلى مكانه ، فإذا بالناس يضيِقون من هذا التصرُّف ، ويُنحُّون سجادته جانباً ويجلسون مكانها ، إنه تصرُّف لا يليق ببيوت الله التي تُسوِّي بين خَلْق الله جميعاً ، وتحقق استطراق العبودية لله ، فأنت اليوم بجوار فلان ، وغداً بجوار آخر ، الجميع خاضع لله راكع وساجد ، فليس لأحد أن يتعالى على أحد . ونرى كذلك استطراق العبودية واضحاً في مناسك الحج ، حيث يأتي أحد العظماء والوجهاء فتراه عند الملتزم خاضعاً ذليلاً باكياً متضرعاً ، وهو مَنْ هو في دُنْيا الناس . إذن : فوقت الفجر وقت مبارك مشهود ، تشهده ملائكة الليل ، وهم غير مُكلَّفين بالصلاة ، فالأفضل من مَشْهدية الملائكة مَشْهدية المصلِّين الذين كلَّفهم الله بالصلاة ، وجعلهم ينتفعون بها . ومن هنا كانت صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة ، كما جاء في الحديث النبوي الشريف . ويجب أن نلتفت إلى أن الحق سبحانه ربط الصلوات الخمس بالوقت ، وبآية كونية تدلُّ عليه هي الشمس ، فكيف العمل إذا غابت ، أو حُجِبَتْ عنَّا بغيْم أو نحوه ؟ إذن : على الإنسان المؤمن أن يجتهد ويُعمِلَ تفكيره في إيجاد شيء يضبط به وقته ، وفعلاً تفتقتْ القرائح عن آلات ضبط الوقت الموجودة الآن ، والتي تُيسِّر كثيراً على الناس لذلك كانت الطموحات الإنسانية لأشياء تخدم الدين وتوضح معالمه أمراً واجباً على علماء المسلمين ، على اعتبار أن مَا لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ … } .