Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 93-93)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

البيت : هو المكان المعدّ للبيتوتة ، والزخرف : أي المزيِّن ، وكان الذهب وما يزال أجمل أنواع الزينة لأن كل زُخْرف من زخارف الزينة يطرأ عليه ما يُغيِّره فيبهت لونه ، وينطفئ بريقه ، وتضيع ملامحه إلا الذهب ، ونقصد هنا الذهب الخالص غير المخلوط بمعدن آخر ، فالذهب الخالص هو الذي لا يتأكسد ولا يتفاعل مع غيره لذلك يظل على بريقه ورَوْنقه ، فإنْ كان البيت نفسه من زخرف ، فماذا سيكون شكله ؟ ونرى الذين يُحبُّون أن ينافقوا نفاقَ الحضارات ، ويتبارَوْنَ في زخرفة الصناعات يُلصِقون على المصنوعات الخشبية مثلاً طبقة أو قشرة من الذهب لتظلَّ محتفظة بجمالها ، كما في الأطقم الفرنساوي أو الإنجليزي مثلاً . ثم يقول تعالى : { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ … } [ الإسراء : 93 ] . أي : يكون لك سُلَّم تصعد به في السماء ، ويظهر أنهم تسرعوا في هذا القول ، ورَأَوْا إمكانية ذلك ، فسارعوا إلى إعلان ما تنطوي عليه نفوسهم من عناد : { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ … } [ الإسراء : 93 ] . وكأنهم يُبيِّتون العناد لرسول الله ، فهم كاذبون في الأولى ، وكاذبون في الثانية ، ولو نزَّل الله عليهم الكتاب الذي أرادوا ما آمنوا ، وقد رَدَّ عليهم الحق سبحانه بقوله : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الأنعام : 7 ] . وانظر إلى رَدِّ القرآن على كل هذا التعنت السابق : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي … } [ الإسراء : 93 ] وكلمة { سُبْحَانَ } كلمة التنزيه العُلْيا للحق سبحانه وتعالى ، وقد تحدَّى بها الكون كله لأنها كلمة لا تُقَال إلا لله تعالى ، ولم يحدث أبداً بين الناس أنْ قالها أحد لأحد ، مع ما في الكون من جبابرة وعُتَاة ، يحرص الناس على منافقتهم وتملُّقهم ، وهذه كلمة اختيارية يمكن أن يقولها كل إنسان ، لكن لم يجرؤ أحد على قَوْلها لأحد . والحق سبحانه وتعالى يتحدَّى الكون كله بأمور اختيارية يقدرون عليها ، وتحدى المختار في المثل معناها أنه سبحانه عالم بأن قدرته لن تستطيع أن تفعل ذلك ، ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [ المسد : 1 - 3 ] . نزلت هذه الآيات في أبي لهب ، وهو كافر ، ويحتمل منه الإيمان كما آمن غيره من الكفرة ، فقد آمن عمر والعباس وغيرهم ، فما كان يُدرِي رسول الله أن أبا لهب لن يؤمن ، لكنه يُبلِّغ قول ربه قرآناً يُتلَى ويُحفظ ويُسجَّل ، وفيه تقرير وشهادة بأن أبا لهب سيموت كافراً ، وأن مصيره النار . وهنا نقول : أَمَا كان في إمكان أبي لهب أنْ يُكذّب هذا القول ، فيقوم في قومه مُنادياً بلا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله - ولو نِفَاقاً - وله بعد ذلك أن يتهم محمداً وقرآن محمد بالكذب ؟ لكن هذا لم يحدث لأن المتكلم هو الله ربُّ العالمين . ومن هذا التحدي أن الحق سبحانه له صفات وله أسماء ، الأسماء مأخوذة من الصفات ، إلا اسم واحد مأخوذ للذات ، هو لفظ الجلالة الله ، فهو عَلَم على الذات الإلهية لم يُؤخَذ من صفة من صفاته تعالى ، فالقادر والغفور والحيّ القيوم وغيرها من الأسماء مأخوذة من صفات ، إنما الله عَلَم على الذات الجامعة لكُلِّ هذه الصفات . لذلك تحدَّى الخالق سبحانه جميع الخَلْق ، وقد أعطاهم الحرية في اختيار الأسماء أنْ يُسمُّوا أنفسهم أو أبناءهم بهذا الاسم الله ، ويعلن هذا التحدي في كتابه الكريم وعلى رؤوس الأشهاد يقول : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] ؟ ومع ذلك لم يجرؤ كافر واحد على أنْ يُسمِّيَ هذا الاسم ليظلَّ هذا التحدي قائماً إلى قيام الساعة لأن الله تعالى حق ، والإيمان به وبوجوده تعالى متغلغل حتى في نفوس الكفار ، فلو كانوا يعلمون أن هذه الكلمة كذب ، أو لا وجودَ لها لأقدموا على التسمية بها دون أن يُبالُوا شيئاً ، أَمَا وهم يعلمون أن الله حق فلن يجرؤ أحد ، ويُجرِّب هذه التسمية في نفسه لأنه يخشى عاقبة وخيمة لا يدري ما هي . لذلك رَدَّ الحق سبحانه على تعنُّت الكفار فيما طلبوه من رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً : { سُبْحَانَ رَبِّي … } [ الإسراء : 93 ] لأن الأمور التي طلبوها أمور بلغتْ من العجب حَدَّاً ، ولا يمكن أن يُتعجب منها إلا بسبحان الله لأنها كلمة التعجُّب الوحيدة والتي لا تُطلَق لغير الله ، وكأنه أرجع الأمور كلها لله ، ولقد كان لهم غِنىً عن ذلك في كتاب الله الذي نزل إليهم : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ العنكبوت : 51 ] . والهمزة هنا للاستفهام المراد به التعجُّب أيضاً : أيطلبون هذه الآيات ، ولم يكْفِهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب ، وقد كان فيه غناءٌ لهم . ثم يقول تعالى : { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 93 ] . هل ادعيْتُ لكم أَنِّي إله ؟ ! ما أنا إلا بشر أبلغكم رسالة ربي ، وأفعل ما يأمرني به ، كما في قوله تعالى : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ يونس : 15 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ … } .