Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 94-94)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : ما منعهم من الإيمان إلا هذه المسألة : أن يكون الرسول بشراً ، هذه هي القضية التي وقفت في حلوقهم : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] . والمتأمِّل في مسألة التبليغ عن الله يجد أنها لا يمكن أنْ تتم إلا ببشر ، فكيف يبلغ البشر جنس آخر ، ولا بُدَّ للتلقِّي عن الله من وسائط بين الحق سبحانه وتعالى وبين الناس لأن البشر لا يستطيع أنْ يتلقّى عن القُوة العليا مباشرة ، فإذنْ : هناك مراحل : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الشورى : 51 ] . لكن الرسول البشري كيف يُكلِّم الله ؟ لا بُدَّ أنْ نأتي برسول من الجنس الأعلى : { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً … } [ الحج : 75 ] وهذا مرحلة ، ثم يصطفي رسولاً من البشر يتلقّى عن الملَكِ كي يستطيع أنْ يُبلِّغكم لأنكم لا تقدرون على اللقاء المباشر مع الحق سبحانه . ونضرب لذلك مثلاً - ولله المثل الأعلى : أنت إذا أردتَ إضاءة لمبة صغيرة وعندك تيار كهربائي عالٍ ، هل يمكن أنْ تُوصِّله بهذه اللمبة ؟ لا لأنها ستحترق فوراً ، إذن : ما الحل ؟ الحل أنْ تأتي بجهاز وسيط يُقلِّل لك هذا التيار القوي ، ويعطي اللمبة على قَدْر حاجتها فتضيء . كذلك الحق سبحانه يصطفي من الملائكة رسلاً يمكنهم التلقِّي عن الله ويصطفي من البشر رسلاً يمكنهم التلقِّي عن الملائكة ، ثم يُبلّغ الرسول المصطفى من البشر بني جنسه . إذن : فماذا يُزعجكم في أنْ يكون الرسول بشراً ؟ ولماذا تعترضون على هذه المسألة وهي أمر طبيعي ؟ يقول تعالى : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ … } [ يونس : 2 ] . وفي موضع آخر يقول سبحانه : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا … } [ يس : 13 - 15 ] . إذن : فاعتراضهم على بشرية الرسول أمر قديم توارثه أهل الكفر والعناد من أيام نوح - عليه السلام - ألم يَقُلْ له قومه : { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا … } [ هود : 27 ] . وقالوا : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } [ المؤمنون : 34 ] . وقالوا : { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } [ القمر : 24 ] . لذلك يدعونا الحق سبحانه وتعالى إلى النظر في السُّنة المتبعة في الرسل : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ … } [ النحل : 43 ] . أي : ليسوا ملائكة ، لا بُدَّ أنْ يكونوا رجالاً لِيتمّ اللقاء بينكم ، وإلاّ فلو جاء الرسول مَلَكاً كما تقولون ، هل ستروْن هذا الملَك ؟ قالوا : لا هو مُستتر عنَّا ، لكنه يرانا ، لكن تبليغ الرسالة لا يقوم على مجرد الرؤية ، فتبليغ الرسالة يحتاج إلى مخالطة ومخاطبة ، وهنا لا بُدَّ أنْ يتصوّر لكم الملَك في صورة رجل ليؤدي مهمة البلاغ عن الله ، وهكذا نعود من حيث بدأنا لأنها الطبيعة التي لا يمكن لأحد الخروج عنها . لذلك يقول سبحانه : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] إذن : لا داعي للتمحُّك والعناد ، ومصادمة الفطرة التي خلقها الله ، والطبيعة التي ارتضاها لخَلْقه . ثم يقول الحق سبحانه : { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ … } .