Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فمَنْ كان يريد الأُسْوة الطيبة في عبودية الرسول لربه ، هذه العبودية التي جعلتْه يسرى به إلى بيت المقدس ، ثم يصعد به إلى السماء ، ومَنْ كان يريد أن يكون مثل نوح في عبوديته لربه فأكرم ذريته من أجله ، فعليه أنْ يسيرَ على دَرْبهم ، وأنْ يقتديَ بهم في عبوديتهم لله تعالى ، وليحذر أن يكون مثل اليهود الذين أفسدوا في الأرض مرتين . والذي يرسم لنا الطريق ويُوضِّح لنا الحق من الباطل هو القرآن الكريم : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ … } [ الإسراء : 9 ] . قول الحق تبارك وتعالى : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ … } [ الإسراء : 9 ] . هل عند نزول هذه الآية كان القرآن كله قد نزل ، ليقول : إن هذا القرآن ؟ نقول : لم يكن القرآن كله قد نزل ، ولكن كل آية في القرآن تُسمّى قرآناً ، كما قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [ القيامة : 18 ] . فليس المراد القرآن كله ، بل الآية من القرآن قرآن . ثم لما اكتمل نزول القرآن ، واكتملتْ كل المسائل التي تضمن لنا استقامة الحياة ، قال تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً … } [ المائدة : 3 ] . فإن استشرف مُسْتشرف أنْ يستزيد على كتاب الله ، أو يأتي بجديد فليعلم أن منهج الله مُنزَّه عن النقص ، وفي غِنىً عن زيادتك ، وما عليك إلا أن تبحث في كتاب الله ، وسوف تجد فيه ما تصبو إليه من الخير . قوله : { يَِهْدِي … } [ الإسراء : 9 ] . الهداية هي الطريق الموصِّل للغاية من أقرب وَجْه ، وبأقل تكلفة . وهو الطريق المستقيم الذي لا التواءَ فيه ، وقلنا : إن الحق سبحانه يهدي الجميع ويرسم لهم الطريق ، فمن اهتدى زاده هُدى ، كما قال سبحانه : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] . ومعنى : { أَقْوَمُ … } [ الإسراء : 9 ] . أي : أكثر استقامة وسلاماً . هذه الصيغة تُسمّى أفعل التفضيل ، إذن : فعندنا أقوم وعندنا أقل منه منزلة قَيّم كأن نقول : عالم وأعلم . فقوله سبحانه : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ … } [ الإسراء : 9 ] . يدل على وجود القيّم في نُظم الناس وقوانينهم الوضعية ، فالحق سبحانه لا يحرم البشر من أن يكون لهم قوانين وشرائع حينما تعضُّهم المظالم ويشْقُون بها ، فيُقنّنون تقنينات تمنع هذا الظلم . ولا مانع من ذلك إذا لم ينزل لهم منهج من السماء ، فما وضعوه وإنْ كان قَيّماً فما وضعه الله أقوم ، وأنت لا تضع القيم إلا بعد أن تُعضَّ بشيء مُعوج غير قيّم ، وإلا فماذا يلفتُك للقيم ؟ أما منهج السماء فإنه يضع الوقاية ، ويمنع المرض من أساسه ، فهناك فَرْق بين الوقاية من المرض وبين العلاج للمرض ، فأصحاب القوانين الوضعية يُعدّلون نُظمهم لعلاج الأمراض التي يَشْقَون بها . أما الإسلام فيضع لنا الوقاية ، فإن حَدثْت غفلة من المسلمين ، وأصابتهم بعض الداءات نتيجة انصرافهم عن منهج ربهم نقول لهم : عودوا إلى المنهج : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ . . } [ الإسراء : 9 ] . ولتوضيح أن منهج الحق سبحانه أقوم نروي ما حدث معنا في مدينة " سان فرانسيسكو " فقد سألنا أحدُ المستشرقين عن قول الحق تبارك وتعالى : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } [ التوبة : 32 ] . وفي آية أخرى يقول : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } [ التوبة : 33 ] . فكيف يقول القرآن : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ … } [ التوبة : 33 ] . في حين أن الإسلام محصور ، وتظهر عليه الديانات الأخرى ؟ فقلتُ له : لو تأملتَ الآية لوجدت فيها الردّ على سؤالك ، فالحق سبحانه يقول : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } [ التوبة : 32 ] . ويقول : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } [ التوبة : 33 ] . إذن : فالكافرون والمشركون موجودون ، فالظهور هنا ليس ظهور اتّباع ، ولم يقُل القرآن : إن الناس جميعاً سيؤمنون . ومعنى الظهور هنا ظهور حُجّة وظهور حاجة ، ظهور نظم وقوانين ، ستضرهم أحداث الحياة ومشاكلها إلى التخلّي عن قوانينهم والأخذ بقوانين الإسلام لأنهم وجدوا فيها ضَالّتهم . فنظام الطلاق في الإسلام الذي كثيراً ما هاجموه وانتقدوه ، ورأوا فيه ما لا يليق بالعلاقة الزوجية ، ولكن بمرور الزمن تكشفت لهم حقائق مؤلمة ، وشقي الكثيرون منهم لعدم وجود هذا الحل في قوانينهم ، وهكذا ألجأتهم مشاكل الحياة الزوجية لأنْ يُقنِّنوا للطلاق . ومعلوم أن تقنينهم للطلاق ليس حُباً في الإسلام أو اقتناعاً به ، بل لأن لديهم مشاكل لا حََّل لها إلا بالطلاق ، وهذا هو الظهور المراد في الآيتين الكريمتين ، وهو ظهور بشهادتكم أنتم لأنكم ستلجأون في حل قضاياكم لقوانين الإسلام ، أو قريباً منها . ومن هذه القضايا أيضاً قضية تحريم الربا في الإسلام ، فعارضوه وأنكروا هذا التحريم ، إلى أن جاء " كِنز " وهو زعيم اقتصادي عندهم ، يقول لهم : انتبهوا ، لأن المال لا يؤدي وظيفته كاملة في الحياة إلا إذا انخفضتْ الفائدة إلى صفر . سبحان الله ، ما أعجب لجَجَ هؤلاء في خصومتهم مع الإسلام ، وهل تحريم الربا يعني أكثر من أن تنخفض الفائدة إلى صفر ؟ إنهم يعودون لمنهج الله تعالى رَغْماً عنهم ، ومع ذلك لا يعترفون به . ولا يخفى ما في التعامل الربوي من سلبيات ، وهل رأينا دولة اقترضت من أخرى ، واستطاعت على مَرّ الزمن أنْ تُسدد حتى أقساط الفائدة ؟ ثم نراهم يغالطوننا يقولون : ألمانيا واليابان أخذت قروضاً بعد الحرب العالمية الثانية ، ومع ذلك تقدمت ونهضت . نقول لهم : كفاكم خداعاً ، فألمانيا واليابان لم تأخذ قروضاً ، وإنما أخذت معونة لا فائدة عليها ، تسمى معونة مارشال . وأيضاً من هذه القضايا التي ألجأتهم إليها مشاكل الحياة قضية ميراث المرأة ، فلما عَضَّتهم قَنَّنُوا لها . فظهور دين الله هنا يعني ظهورَ نُظم وقوانين ستضطرهم ظروف الحياة إلى الأخذ بها ، وليس المقصود به ظهور اتّباع . إذن : فمنهج الله أقوم ، وقانون الحق سبحانه أعظم من قوانين البشر وأَهْدى ، وفي القرآن الكريم ما يُوضّح أن حكم الله وقانونه أقوم حتى من حكم رسوله صلى الله عليه وسلم . وهذا في قصة مولاه " زيد بن حارثة " ، وزيد لم يكن عبداً إلى أن خطفه بعض تجار الرقيق وباعوه ، وانتهى به المطاف إلى السيدة خديجة - رضي الله عنها - التي وهبتْه بدورها لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكان زيد في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن علم أهله بوجوده في مكة فأتوا ليأخذوه ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن خَيَّره بين البقاء معه وبين الذهاب إلى أهله ، فاختار زيد البقاء في خدمة رسول الله وآثره على أهله . فقال صلى الله عليه وسلم : " فما كنت لأختار على مَنِ اختارني شيئاً " . وفي هذه القصة دليل على أن الرقَّ كان مباحاً في هذا العصر ، وكان الرقّ حضانةَ حنانٍ ورحمة ، يعيش فيها العبد كما يعيش سيده ، يأكل من طعامه ، ويشرب من شرابه ، يكسوه إذا اكتسى ، ولا يُكلّفه ما لا يطيق ، وإنْ كلّفه أعانه ، فكانت يده بيده . وهكذا كانت العلاقة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين زيد لذلك آثره على أهله ، وأحب البقاء في خدمته ، فرأى رسول الله أن يُكافئ زيداً على إخلاصه له وتفضيله له على أهله ، فقال : " لا تقولوا زيد بن حارثة ، قولوا زيد بن محمد " . وكان التبني شائعاً في ذلك الوقت . فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُحرِّم التبني ، وأنْ يُحرِّم نسبة الولد إلى غير أبيه بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ … } [ الأحزاب : 5 ] . والشاهد هنا : { هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ … } [ الأحزاب : 5 ] . فكأن الحكم الذي أنهى التبني ، وأعاد زيداً إلى زيد بن حارثة هو الأقسط والأعدل ، إذن : حكم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن جَوْراً ، بل كان قِسْطاً وعدلاً ، لكنه قسط بشري يَفْضُله ما كان من عند الحق سبحانه وتعالى . وهكذا عاد زيد إلى نسبه الأصلي ، وأصبح الناس يقولون " زيد ابن حارثة " ، فحزن لذلك زيد ، لأنه حُرِم من شرف الانتساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعوَّضه الله تعالى عن ذلك وساماً لم يَنَلْه صحابي غيره ، هذا الوسام هو أن ذُكِر اسمه في القرآن الكريم ، وجعل الناس يتلونه ، ويتعبدون به في قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا … } [ الأحزاب : 37 ] . إذن : عمل الرسول قسط ، وعمل الله أقسط . قوله تعالى : { يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ . . } [ الإسراء : 9 ] . لأن المتتبع للمنهج القرآني يجده يُقدّم لنا الأقوم والأعدل والأوسط في كل شيء . في العقائد ، وفي الأحكام ، وفي القصص . ففي العقائد مثلاً ، جاء الإسلام ليجابه مجتمعاً متناقضاً بين مَنْ ينكر وجود إله في الكون ، وبين مَنْ يقول بتعدُّد الآلهة ، فجاء الإسلام وَسَطاً بين الطرفين ، جاء بالأقوم في هذه المسألة ، جاء ليقول بإله واحد لا شريك له . فإذا ما تحدّث عن صفات هذا الإله سبحانه اختار أيضاً ما هو أقوم وأوسط ، فللحق سبحانه صفات تشبه صفات البشر ، فَلَه يَدٌ وسمع وبصر ، لكن ليست يده كيدنا ، وليس سمعه كسمعنا ، وليس بصره كبصرنا : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] . وبهذا المنهج الحكيم خرجنا مما وقع فيه المشبِّهة الذين شبّهوا صفات الله بصفات البشر ، وخرجنا مما وقع فيه المعطّلة الذين أنكروا أن يكون لله تعالى هذه الصفات وأوّلوها على غير حقيقتها . وكذلك في الخلق الاجتماعي العام ، يلفتنا المنهج القرآني في قوله تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [ يوسف : 105 ] . يلفتنا إلى ما في الكون من عجائب نغفل عنها ، ونُعرِض عن تدبُّرها والانتفاع بها ، ولو نظرنا إلى هذه الآيات بعين المتأمل لوجدنا فيها منافع شتى منها : أنها تُذّكرنا بعظمة الخالق سبحانه ، ثم هي بعد ذلك ستفتح لنا الباب الذي يُثري حياتنا ، ويُوفّر لنا ترف الحياة ومتعتها . فالحق سبحانه أعطانا مُقوّمات الحياة ، وضمن لنا برحمته ضروريات البقاء ، فمَنْ أراد الكماليات فعليه أنْ يُعمِل عقله فيما أعطاه الله ليصل إلى ما يريد . والأمثلة كثيرة على مشاهدات متأملة في ظواهر الكون ، اهتدى بها أصحابها إلى اكتشافات واختراعات خدمت البشرية ، وسَهَّلَتْ عليها كثيراً من المعاناة . فالذي اخترع العجلة في نقل الأثقال بنى فكرتها على ثِقل وجده يتحرك بسهولة إذا وُضع تحته شيء قابل للدوران ، فتوصل إلى استخدام العجلات التي مكَّنَتْهُ من نقل أضعافْ ما كان يحمله . والذي أدخل العالم عصر البخار استنبط فكرة البخار ، وأنه يمكن أن يكون قوةً مُحرِّكة عندما شاهد القِدْر وهو يغلي ، ولاحظ أن غطاءه يرتفع إلى أعلى ، فاهتدى إلى استخدام البخار في تسيير القطارات والعربات . والعالِم الذي اكتشف دواء " البنسلين " اهتدى إليه عندما شاهد طبقة خضراء نسميها " الريم " تتكون في أماكن استخدام الماء ، وكان يشتكي عينه ، فعندما وصلت هذه المادة إلى عينه ربما مصادفة ، لاحظ أن عينه قد برئت ، فبحث في هذه المسألة حتى توصّل إلى هذا الدواء . إلى غير ذلك من الآيات والعجائب في كون الله ، التي يغفل عنها الخَلْق ، ويمرُّون عليها وهم معرضون . أما هؤلاء العلماء الذين أثروا حياة البشرية بنظرتهم الثاقبة ، فقد استخدموا عقولهم في المادة التي خلقها الله ، ولم يأتوا بشيء من عند أنفسهم لأن الحق سبحانه حينما استخلف الإنسان في الأرض أعدَّ له كُلَّ متطلبات حياته ، وضمن له في الكون جنوداً إنْ أعمل عقله وطاقته يستطيع أن يستفيد منها ، وبعد ذلك طلب منه أن يعمر الأرض : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا … } [ هود : 61 ] . والاستعمار أنْ تجعلها عامرة ، وهذا الإعمار يحتاج إلى مجهود ، وإلى مواهب متعددة تتكاتف ، فلا تستقيم الأمور إنْ كان هذا يبني وهذا يهدم ، إذن : لا بد أنْ تُنظّم حركة الحياة تنظيماً يجعل المواهب في الكون تتساند ولا تتعاند ، وتتعاضد ولا تتعارض . ولا يضمن لنا هذا التنظيم إلا منهج من السماء ينزل بالتي هي أقوم ، وأحكم ، وأعدل ، كما قال تعالى في آية أخرى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ … } [ الشورى : 17 ] . وإنْ كان الحق سبحانه وتعالى قد دعانا إلى النظر في ظواهر الكون ، والتدبُّر في آيات الله في كونه ، والبحث فيها لنصل إلى أسرار ما غُيّب عنا ، فإنه سبحانه نهانا أن نفعل هذا مع بعضنا البعض ، فقد حرَّم علينا التجسُّس وتتبُّع العورات ، والبحث في أسرار الآخرين وغَيْبهم . وفي هذا الأدب الإلهي رحمة بالخلق جميعاً لأن الله تعالى يريد أن يُثري حياة الناس في الكون ، وهَبْ أن إنساناً له حسنات كثيرة ، وعنده مواهب متعددة ، ولكن له سيئة واحدة لا يستطيع التخلّي عنها ، فلو تتبعتَ هذه السيئة الواحدة فربما أزهدتْك في كل حسناته ، وحرمتْك الانتفاع به ، والاستفادة من مواهبه ، أما لو تغاضيت عن هذه السيئة فيه لأمكنك الانتفاع به . وهَبْ أن صانعاً بارعاً في صنعته وقد احتجْتَه ليؤديَ لك عملاً ، فإذا عرفت عنه ارتكاب معصية ما ، أو اشتهر عنه سيئة ما لأزهدك هذا في صَنْعته ومهارته ، ولرغبت عنه إلى غيره ، وإنْ كان أقلّ منه مهارة . وهذا قانون عام للحق سبحانه وتعالى ، فالذي نهاك عن تتبُّع غيب الناس ، والبحث عن أسرارهم نهاهم أيضاً عن تتبُّع غَيْبك والبحث عن أسرارك ولذلك ما أنعم الله على عبيده نعمةً أعظمَ من حِفْظ الغيب عنده هو لأنه ربّ ، أما البشر فليس فيهم ربوبية ، أمر البشر قائم على العبودية ، فإذا انكشف لأحدهم غَيْبُ أخيه أو عيبٌ من عيوبه أذاعه وفضحه به . إذن : فالحق تبارك وتعالى يدعونا إلى أن نكون طُلَعة في استنباط أسرار الكون والبحث عن غيبه ، وفي الوقت نفسه ينهانا أن نكون طُلَعة في تتبّع أسرار الناس والبحث عن غيبهم لأنك إنْ تتبعتَ غيب الناس والتمسْتَ عيوبهم حرمْتَ نفسك من مصادر يمكن أنْ تنتفع بها . فالحق سبحانه يريد في الكون حركة متبادلة ، وهذه الحركة المتبادلة لا تنشأ إلا بوجود نوع من التنافس الشريف البنّاء ، التنافس الذي يُثري الحياة ، ولا يثير شراسة الاحتكاك ، كما قال تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ … } [ المطففين : 26 ] . كما يتنافس طالب العلم مع زميله المجدّ ليكون مِثْله أو أفضل منه ، وكأن الحق سبحانه يعطينا حافزاً للعمل والرُّقي ، فالتنافس المقصود ليس تنافس الغِلِّ والحقد والكراهية ، بل تنافس مَنْ يحب للناس ما يحب لنفسه ، تنافس مَنْ لا يشمت لفشل الآخرين . وقد يجد الإنسان هذا الحافز للمنافسة حتى في عدوه ، ونحن نرى الكثير منا يغضب وتُثَار حفيظته إنْ كان له عدو ، ويراه مصدر شرٍّ وأذى ، ويتوقع منه المكروه باستمرار . وهو مع ذلك لو استغل حكمة الله في إيجاد هذا العدو لا تنفع به انتفاعاً لا يجده في الصديق ، لأن صديقك قد يُنافقك أو يُداهنك أو يخدعك . أما عدوك فهو لك بالمرصاد ، يتتبع سقطاتك ، ويبحث عن عيوبك ، وينتظر منك كَبْوة ليذيعها ويُسمّع بك ، فيحملك هذا من عدوك على الاستقامة والبعد عما يشين . ومن ناحية أخرى تخاف أن يسبقك إلى الخير ، فتجتهد أنت في الخير حتى لا يسبقك إليه . وما أجمل ما قاله الشاعر في هذا المعنى : @ عِدَايَ لَهُمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ فَلاَ أبعَدَ الرحْمَنُ عَنّي الأعَادِياَ هُمُو بحثُوا عَنْ زَلّتي فَاجْتنبْتُها وهُمْ نَافَسُـوني فاكْتَسبْتُ المعَالِيا @@ وهكذا نجد لكل شيء في منهج الله فائدة ، حتى في الأعداء ، ونجد في هذا التنافس المثمر الذي يُثري حركة الحياة دليلاً على أن منهج السماء هو الأقوم والأنسب لتنظيم حركة الحياة . أيضاً لكي يعيش المجتمع آمناً سالماً لا بُدّ له من قانون يحفظ توازنه ، قانون يحمي الضعيف من بطش القوي ، فجاء منهج الله تعالى لِيُقنّن لكل جريمة عقوبتها ، ويضمن لصاحب الحق حَقّه ، وبعد ذلك ترك الباب مفتوحاً للعفو والتسامح بين الناس . ثم حذَّر القوي أنْ تُطغيه قوته ، وتدعوه إلى ظلم الضعيف ، وذكّره أن قوته ليست ذاتية فيه ، بل هي عَرَضٌ سوف يزول ، وسوف تتبدل قوته في يوم ما إلى ضَعْف يحتاج معه إلى العون والمساعدة والحماية . وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لنا : أنا أحمي الضعيف من قوتك الآن ، لأحمي ضعفك من قوة غيرك غداً . أليس في هذا كله ما هو أقوم ؟ ونقف على جانب آخر من جوانب هذه القوامة لمنهج الله في مجال الإنفاق ، وتصرُّف المرء في ماله ، والمتأمل في هذا المنهج الأقوم يجده يختار لنا طريقاً وسطاً قاصداً لا تبذيرَ فيه ولا تقتير . ولا شك أن الإنسان بطبعه يُحب أن يُثري حياته ، وأن يرتقي بها ، ويتمتع بترفها ، ولا يُتاح له ذلك إنْ كان مُبذّراً لا يُبقي من دخله على شيء ، بل لا بُدّ له من الاعتدال في الإنفاق حتى يجد في جعبته ما يمكنه أن يُثري حياته ويرتقي بها ويُوفّر لأسرته كماليات الحياة ، فضلاً عن ضرورياتها . جاء هذا المنهج الأقوم في قول الحق تبارك وتعالى : { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [ الفرقان : 67 ] . وفي قوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } [ الإسراء : 29 ] . فللإنسان في حياته طموحات تتتابع ولا تنتهي ، خاصة في عصر كثُرت فيه المغريات ، فإنْ وصل إلى هدف تطلع لما هو أكبر منه ، فعليه إذن ألاّ يُبدّد كل طاقته ، وينفق جميع دَخْله . وكما نهى الإسلام عن التبذير نهى أيضاً عن البُخْل والإمساك لأن البُخْل مذموم ، والبخيل مكروه من أهله وأولاده ، كما أن البُخْل سبب من أسباب الركود والبطالة والكساد التي تصيب المجتمع ، فالممسك لا يتعامل مع المجتمع في حركة البيع والشراء ، فيسهم ببُخْله في تفاقم هذه المشاكل ، ويكون عنصراً خاملاً يَشْقى به مجتمعه . إذنْ : فالتبذير والإمساك كلاهما طرف مذموم ، والخير في أوسط الأمور ، وهذا هو الأقوم الذي ارتضاه لنا المنهج الإلهي . وكذلك في مجال المأكل والمشرب ، يرسم لنا الطريق المعتدل الذي يحفظ للمرء سلامته وصحته ، ويحميه من أمراض الطعام والتُّخْمة ، قال تعالى : { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ الأعراف : 31 ] . فقد علَّمنا الإسلام أن الإنسان إذا أكل وشرب على قَدْر طاقة الوقود الذي يحتاجه جسمه لا يشتكي ما يشتكيه أصحاب الإسراف في المأكل والمشرب . والمتأمل في حال هؤلاء الذين يأكلون كلّ مَا لَذَّل وطاب ، ولا يَحْرمون أنفسهم مما تشتهيه ، حتى وإن كان ضاراً ، نرى هؤلاء عند كِبَرهم وتقدُّم السِّنِّ بهم يُحْرمون بأمر الطبيب من تناول هذه الملذّات ، فترى في بيوت الأعيان الخادم يأكل أطيب الطعام ويتمتع بخير سيده ، في حين يأكل سيده أنواعاً محددة لا يتجاوزها ، ونقول له : لأنك أكلتها وأسرفتَ فيها في بداية الأمر ، فلا بُدَّ أنْ تُحرَم منها الآن . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " كُلُوا واشربوا وتصدقوا ، والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة " وأيضاً من أسباب السلامة التي رسمها لنا المنهج القرآني ، ألاَّ يأكل الإنسان إلا على جوع ، فالطعام على الطعام يرهق المعدة ، ويجرُّ على صاحبه العطب والأمراض ، ونلاحظ أن الإنسان يجد لذة الطعام وحلاوته إذا أكل بعد جوع ، فمع الجوع يستطيب كل شيء ولو كان الخبز الجاف . وهكذا نجد المنهج الإلهي يرسم لنا الطريق الأقوم الذي يضمن لنا سلامة الحياة واستقامتها ، فلو تدبرْتَ هذا المنهج لوجدته في أيِّ جانب من جوانب الحياة هو الأقوم والأنسب . في العقائد ، في العبادات ، في الأخلاق الاجتماعية العامة ، في العادات والمعاملات ، إنه منهج ينتظم الحياة كلها ، كما قال الحق سبحانه : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [ الأنعام : 38 ] . هذا المنهج الإلهي هو أَقْوم المناهج وأصلحها لأنه منهج الخالق سبحانه الذي يعلم مَنْ خلق ، ويعلم مَا يصلحهم ، كما قلنا سابقاً : إن الصانع من البشر يعلم صَنْعته ، ويضع لها من تعليمات التشغيل والصيانة ما يضمن لها سلامة الأداء وأمن الاستعمال . فإذا ما استعملْتَ الآلة حَسبْ قانون صانعها أدَّتْ مهمتها بدقة ، وسَلِمتْ من الأعطال ، فالذي خلق الإنسان أعلم بقانون صيانته ، فيقول له : افعل كذا ولا تفعل كذا : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] . فآفة الناس في الدنيا أنهم وهم صَنْعة الحق سبحانه يتركون قانونه ، ويأخذون قانون صيانتهم من أمثالهم ، وهي قوانين وضعية قاصرة لا تسمو بحال من الأحوال إلى قانون الحق سبحانه ، بل لا وَجْهَ للمقارنة بينهما . إذن : لا تستقيم الحياة إلا بمنهج الله عز وجل . ثم يقول تعالى : { وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [ الإسراء : 9 ] . فالمنفذ لهذا المنهج الإلهي يتمتع باستقامة الحياة وسلامتها ، وينعم بالأمن الإيماني ، وهذه نعمة في الدنيا ، وإنْ كانت وحدها لكانت كافية ، لكن الحق سبحانه وتعالى يُبشِّرنا بما هو أعظم منها ، وبما ينتظرنا من نعيم الآخرة وجزائها ، فجمع لنا ربنا تبارك وتعالى نَعيمَيْ الدنيا والآخرة . نعيم الدنيا لأنك سِرْتَ فيها على منهج معتدل ونظام دقيق ، يضمن لك فيها الاستقامة والسلام والتعايش الآمن مع الخَلْق . ومن ذلك قول الحق سبحانه : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] . وقوله تعالى في آية أخرى : { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } [ طه : 123 ] . ويقول تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] . وفي الجانب المقابل يقول الحق سبحانه : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } [ طه : 124 - 126 ] . فكما أن الحق تبارك وتعالى جمع لعباده الصالحين السائرين على منهجه خيري الدنيا والآخرة ، ففي المقابل جمع لأعدائه المعرضين عن منهجه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، لا ظُلْماً منه ، فهو سبحانه مُنَزَّه عن الظلم والجَوْر ، بل عَدْلاً وقِسطاً بما نَسُوا آيات الله وانصرفوا عنها . ومعنى : { يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ الإسراء : 9 ] . وعمل الصالحات يكون بأن تزيد الصالح صلاحاً ، أو على الأقل تُبقِي الصالح على صلاحه ، ولا تتدخل فيه بما يُفسده . وقوله : { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [ الإسراء : 9 ] . نلاحظ هنا أن الحق سبحانه وصف الأجر بأنه كبير ، ولم يَأْتِ بصيغة أفعل التفضيل منها أكبر ، فنقول : لأن كبير هنا أبلغ من أكبر ، فكبير مقابلها صغير ، فَوَصْف الأجر بأنه كبير يدل على أن غيره أصغر منه ، وفي هذا دلالة على عِظَم الأجر من الله تعالى . أما لو قال : أكبر فغيره كبير ، إذن : فاختيار القرآن أبلغ وأحكم . كما قلنا سابقاً : إن من أسماء الحق تبارك وتعالى الكبير ، وليس من أسمائه أكبر ، إنما هي وَصْف له سبحانه . ذلك لأن الكبير كل ما عداه صغير ، أما أكبر فيقابلها كبير . ومن هنا كان نداء الصلاة الله أكبر معناه أن الصلاة وفَرْض الله علينا أكبر من أيّ عمل دنيويّ ، وهذا يعني أن من أعمال الدنيا ما هو كبير ، كبير من حيث هو مُعين على الآخرة . فعبادة الله تحتاج إلى طعام وشراب وإلى مَلْبس ، والمتأمل في هذه القضية يجد أن حركة الحياة كلها تخدم عمل الآخرة ، ومن هنا كان عمل الدنيا كبيراً ، لكن فَرْض الله أكبر من كل كبير . ولأهمية العمل الدنيوي في حياة المسلم يقول تعالى عن صلاة الجمعة : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة : 9 - 10 ] . والمتأمل في هذه الآيات يجد الحق تبارك وتعالى أمرنا قبل الجمعة أن نترك البيع ، واختار البيع دون غيره من الأعمال لأنه الصفقة السريعة الربح ، وهي أيضاً الصورة النهائية لمعظم الأعمال ، كما أن البائع يحب دائماً البيع ، ويحرص عليه ، بخلاف المشتري الذي ربما يشتري وهو كاره ، فتجده غير حريص على الشراء لأنه إذا لم يشْتَرِ اليوم سيشتري غداً . إذن : فالحق سبحانه حينما يأمرنا بترك البيع ، فتَرْك غيره من الأعمال أَوْلَى . فإذا ما قُضِيَت الصلاة أمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض ، فأخرجنا للقائه سبحانه في بيته من عمل ، وأمرنا بعد الصلاة بالعمل . إذن : فالعمل وحركة الحياة كبير ، ولكن نداء ربك أكبر من حركة الحياة لأن نداء ربك هو الذي سيمنحك القوة والطاقة ، ويعطيك الشحنة الإيمانية ، فتُقبِل على عملك بهِمّة وإخلاص . ثم يقول الحق سبحانه : { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ … } .