Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عرفنا أنهما جنتان ، فلماذا قال : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ … } [ الكهف : 35 ] ؟ نقول : لأن الإنسان إنْ كان له جنتان فلنْ يدخلهما معاً في وقت واحد ، بل حَالَ دخوله سوف يواجه جنةً واحدة ، ثم بعد ذلك يدخل الأخرى . وقوله : { وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ … } [ الكهف : 35 ] قد يظلم الإنسان غيره ، لكن كيف يظلم نفسه هو ؟ يظلم الإنسان نفسه حينما يُرخيِ لها عنان الشهوات ، فيحرمها من مشتهيات أخرى ، ويُفوِّت عليها ما هو أبقى وأعظم ، وظلم الإنسان يقع على نفسه لأن النفس لها جانبان : نفسٌ تشتهي ، ووجدان يردع بالفطرة . فالمسألة - إذن - جدل بين هذه العناصر لذلك يقولون : أعدى أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه ، فإنْ قلت : كيف وأنا ونفسي شيء واحد ؟ لو تأملتَ لوجدتَ أنك ساعة تُحدِّث نفسك بشيء ثم تلوم نفسك عليه لأن بداخلك شخصيتين : شخصية فطرية ، وشخصية أخرى استحوازية شهوانية ، فإنْ مَالتْ النفس الشهوانية أو انحرفتْ قَوَّمتها النفس الفطرية وعَدلَت من سلوكها . لذلك قلنا : إن المنهج الإلهي في جميع الديانات كان إذا عَمَّتْ المعصية في الناس ، ولم يَعُدْ هناك مَنْ ينصح ويرشد أنزل الله فيهم رسولاً يرشدهم ويُذكِّرُهم ، إلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه حَمَّلهم رسالة نبيهم ، وجعل هدايتهم بأيديهم ، وأخرج منهم مَنْ يحملون راية الدعوة إلى الله لذلك لن يحتاجوا إلى رسول آخر وكان صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل . وكأنه سبحانه يطمئننا إلى أن الفساد لن يَعُمْ ، فإنْ وُجِد من بين هذه الأمة العاصون ، ففيها أيضاً الطائعون الذين يحملون راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذه مسألة ضرورية ، وأساسٌ يقوم عليه المجتمع الإسلامي . ثم يقول تعالى : { قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } [ الكهف : 35 ] . فهل معنى هذا أنه ظالم لنفسه بالدخول ؟ لا ، لأنها جنتُه يدخلها كما يشاء ، إنما المراد بالظلم هنا ما دار في خاطره ، وما حَدَّث نفسه به حالَ دخوله ، فقد ظلم نفسه عندما خطر بباله الاستعلاء بالغِنَى ، والغرور بالنعمة ، فقال : ما أظنُّ أنْ تبيدَ هذه النعمة ، أو تزول هذه الجنة الوارفة أو تهلك ، لقد غَرَّهُ واقع ملموس أمام عينيه استبعد معه أن يزول عنه كل هذا النعيم ، ليس هذا وفقط ، بل دعاه غروره إلى أكثر من هذا فقال : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً … } .