Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 45-45)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يوضح المجهول لنا بما عُلِم لدينا . وأهل البلاغة يقولون : في هذه الآية تشبيه تمثيل لأنه سبحانه شبّه حال الدنيا في قِصَرها وسرعة زوالها بالماء الذي نزل من السماء ، فارتوتْ به الأرض ، وأنبتتْ ألواناً من الزروع والثمار ، ولكن سرعان ما يذبلُ هذا النبات ويصير هشيماً مُتفتتاً تذهب به الريح . وهذه صورة - كما يقولون - منتزعة من مُتعدّد . أي : أن وجه الشبه فيها ليس شيئاً واحداً ، بل عِدّة أشياء ، فإن كان التشبيه مُركّباً من أشياء متعددة فهو مَثَل ، وإنْ كان تشبيه شيء مفرد بشيء مفرد يُسمُّونه مِثْل ، نقول : هذا مِثْل هذا ، لذلك قال تعالى : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } [ النحل : 74 ] لأن لله تعالى المثل الأعلى . وهكذا الدنيا تبدو جميلة مُزهِرة مُثمِرة حُلْوة نَضِرة ، وفجأة لا تجد في يديك منها شيئاً لذلك سماها القرآن دُنْيا وهو اسم يُوحي بالحقارة ، وإلا فأيّ وصف أقل من هذا يمكن أن يصفها به ؟ لنعرف أن ما يقابلها حياة عُلْيا . وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : كما ضربتُ لهم مَثَل الرجلين وما آل إليه أمرهما اضرب لهم مثل الحياة الدنيا وأنها تتقلّب بأهلها ، وتتبدّل بهم ، واضرب لهم مثلاً للدنيا من واقع الدنيا نفسها . ومعنى { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } [ الكهف : 45 ] أي : اختلط بسببه نبات الأرض ، وتداخلَ بعضُه في بعض ، وتشابكتْ أغصانه وفروعه ، وهذه صورة النبات في الأرض الخِصْبة ، أما إنْ كانت الأرض مالحة غير خِصْبة فإنها تُخرِج النبات مفرداً ، عود هنا وعود هناك . لكن ، هل ظل النبات على حال خُضْرته ونضارته ؟ لا ، بل سرعان ما جفَّ وتكسَّر وصار هشيماً تطيح به الريح وتذروه ، هذا مثلٌ للدنيا حين تأخذ زخرفها وتتزيَّن ، كما قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً … } [ يونس : 24 ] . ثم يقول تعالى : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } [ الكهف : 45 ] لأنه سبحانه القادر دائماً على إخراج الشيء إلى ضِدّه ، كما قال سبحانه : { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } [ المؤمنون : 18 ] . فقد اقتدر سبحانه على الإيجاد ، واقتدر على الإعدام ، فلا تنفكّ عنه صفة القدرة أبداً ، أحيا وأمات ، وأعزَّ وأذلَّ ، وقبض وبسط ، وضَرَّ ونفع … ولما كان الكلام السابق عن صاحب الجنة الذي اغترّ بماله وولده فناسب الحديث عن المال والولد ، فقال تعالى : { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ … } .