Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 65-65)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سبق أن تحدثنا عن العبودية ، فإنْ كانت لله تعالى فهي العزّ والشرف ، وإنْ كانت لغير الله فهي الذلُّ والهوان ، وقلنا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ حَظْوة الإسراء والمعراج إلا لأنه عبد لله ، كما قال سبحانه : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ … } [ الإسراء : 1 ] . كما أن العبودية لله يأخذ فيه العبد خَيْر سيده ، أما العبودية للبشر فيأخذ السيد خَيْر عبده . ثم وصف الحق سبحانه هذا العبد الصالح ، فقال : { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا … } [ الكهف : 65 ] وقد تكلم العلماء في معنى الرحمة هنا ، فقالوا : الرحمة وردتْ في القرآن بمعنى النبوة ، كما في قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] فكان رَدُّ الله عليهم : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ … } [ الزخرف : 32 ] . أي : النبوة ، ومطلق الرحمة تأتي على يد جبريل - عليه السلام - وعلى يد الرسل ، أما هذه الرحمة ، فمن عندنا مباشرة دون واسطة الملَك لذلك قال تعالى : { آتَيْنَاهُ … } [ الكهف : 65 ] نحن ، وقال : { مِّنْ عِندِنَا … } [ الكهف : 65 ] فالإتيان والعندية من الله مباشرة . ثم يقول بعدها : { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [ الكهف : 65 ] أي : من عندنا لا بواسطة الرسل : لذلك يسمونه العلم اللدني ، كأنه لا حرجَ على الله تعالى أن يختار عبداً من عباده ، ويُنعِم عليه بعلم خاص من وراء النبوة . إذن : علينا أنْ نُفرِّق بين علم وفيوضات تأتي عن طريق الرسول وتوجيهاته ، وعلم وفيوضات تأتي من الله تعالى مباشرة لمن اختاره من عباده لأن الرسول يأتي بأحكام ظاهرية تتعلق بالتكاليف : افعل كذا ولا تفعل كذا ، لكن هناك أحكام أخرى غير ظاهرية لها عِلَل باطنة فوق العِلل الظاهرية ، وهذه هي التي اختصَّ الله بها هذا العبد الصالح الخضر كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم . والدليل على ذلك أن النبي يأتي بأحكام تُحرّم القتل وتحرم إتلاف مال الغير ، فأتى الخضر وأتلف السفينة وقتل الغلام ، وقد اعترض موسى - عليه السلام - على هذه الأعمال لأنه لا عِلْم َله بعلتها ، ولو أن موسى - عليه السلام - علم العلّة في خَرْق السفينة لبادر هو إلى خرقها . إذن : فعلم موسى غير علم الخضر لذلك قال له : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } [ الكهف : 67 - 68 ] . فهذا عِلْم ليس عندك ، فعِلْمي من كيس الولاية ، وعلمك من كيس الرسل ، وهما في الحقيقة لا يتعارضان ، وإنْ كان لعلم الولاية عِلَل باطنة ، ولعلم الرسالة عِلَل ظاهرة . ثم يقول تعالى : { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ … } .