Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 79-79)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لِمَسَاكِينَ } اللام هنا للملكية ، يعني مملوكة لهم ، وقد حسمتْ هذه الآيةُ الخلافَ بين العلماء حول تعريف الفقير والمسكين ، وأيهما أشدّ حاجة من الآخر ، وعليها فالمسكين : هو مَنْ يملك شيئا لا يكفيه ، كهؤلاء الذين كانوا يملكون سفينة تعمل في البحر ، وسماهم القرآن مساكين ، أما الفقير : فهو مَنْ لا يملك شيئاً . ومعنى : { يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ … } [ الكهف : 79 ] أي : مجال عملهم البحر ، يعملون فيه بنقل الركاب أو البضائع ، أو الصيد ، أو خلافه . وقوله : { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا … } [ الكهف : 79 ] المتكلم هنا هو الخِضْر - عليه السلام - فنسب إرادة عَيْب السفينة إلى نفسه ، ولم ينسبها إلى الله تعالى تنزيهاً له تعالى عَمَّا لا يليق ، أما في الخير فنسب الأمر إلى الله فقال : { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا … } [ الكهف : 82 ] لذلك فإنه في نهاية القصة يُرجع كل ما فعله إلى الله فيقول : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي … } [ الكهف : 82 ] . ثم يقول تعالى : { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] كلمة : كل ترسم سُوراً كُلياً لا يترك شيئاً ، فالمراد يأخْذ كل سفينة ، سواء أكانت معيبة أم غير معيبة ، لكن الحقيقة أنه يأخذ السفينة الصالحة للاستعمال فقط ، ولا حاجةَ له في المعيبة الغير صالحة ، وكأن في سياق الآية صفة مُقدَّرة : أي يأخذ كل سفينة صالحة غَصْباً من صاحبها . والغَصْب : ما أُخذ بغير الحق ، عُنْوةً وقَهْراً ومُصَادرة ، وله صور متعددة منها مثلاً السرقة : وهي أَخْذ المال من حِرْزه خفية ككسر دولاب أو خزينة ، ومنها الغَصْب : وهو أخْذ مال الغير بالقوة ، وتحت سمعه وبصره ، وفي هذه الحالة تحدث مقاومة ومشادة بين الغاصب والمغصوب . ومنها الخطف : وهو أخْذ مال الغير هكذا علانية ، ولكن بحيلةٍ ما ، يخطف الشيء ويفرّ به دون أن تتمكّن من اللحاق به ، فالخَطْفُ - إذن - يتم علانية ولكن دون مقاومة . ومنها الاختلاس : وهو أن تأخذ مال الغير وأنت مؤتمن عليه ، والاختلاس يحدث خفية ، ولا يخلو من حيلة تستره . وما دام الأمر هنا غَصْباً فلا بُدَّ لمالك الشيء أنْ يقاوم ولو بعض مقاومة يدافع بها عن حَقِّه ، وقد يتوسل إليه أنْ يترك له ماله ، فالمسألة - إذن - فيها كلام وأخْذٌ وَرَدٌّ . إذن : خَرْق السفينة في ظاهره اعتداء على ملك مُقوّم ، وهذا منهيّ عنه شرعاً ، لكن إذا كان هذا الاعتداء سيكون سبباً في نجاة السفينة كلها من الغاصب فلا بأس إذن ، وسفينة معيبة خير من عدمها ، ولو عَلِم موسى - عليه السلام - هذه الحكمة لَبادرَ هو إلى خَرْقها . وما دام الأمر كذلك ، فعلينا أن نُحوِّل السفينة إلى سفينة غير صالحة ونعيبها بخَرْقها ، أو بخلْع لَوْح منها لنصرف نظر الملك المغتصب عن أَخْذها . وكلمة { وَرَآءَهُم } هنا بمعنى أمامهم لأن هذا الظالم كان يترصَّد للسفن التي تمر عليه ، فما وجدها صالحة غصبها ، فهو في الحقيقة أمامهم ، على حَدِّ قوله تعالى : { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } [ إبراهيم : 16 ] وهل جهنم وراءه أم أمامه ؟ وتستعمل وراء بمعنى : بَعْد ، كما في قوله تعالى : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] . وتأتي وراء بمعنى : غير . كما في قوله تعالى في صفات المؤمنين : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } [ المؤمنون : 5 - 7 ] . وفي قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ … } [ النساء : 23 ] إلى … { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ … } [ النساء : 24 ] . وقد تستعمل وراء بمعنى خلف ، كما في قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ … } [ آل عمران : 187 ] . إذن : كلمة { وَرَاءَ } جاءتْ في القرآن على أربعة معَانٍ : أمام ، خلف ، بعد ، غير . وهذا مما يُميِّز العربية عن غيرها من اللغات ، والملَكة العربية قادرة على أن تُميّز المعنى المناسب للسياق ، فكلمة العَيْن - مثلاً - تأتي بمعنى العين الباصرة . أو : عين الماء ، أو : بمعنى الذهب والفضة ، وبمعنى الجاسوس . والسياق هو الذي يُحدد المعنى المراد . ثم يقول الحق سبحانه في قرآنه عما أوضحه الخضر لموسى عليه السلام مما خفي عليه : { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ … } .