Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 82-82)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِغُلاَمَيْنِ } أي : لم يبلغا سِنَّ الرشْد ، وفوق ذلك هما يتيمان . وكان تحت هذا الجدار المائل كَنْز لهذين الغلامين الغير قادرين على تدبير شأنهما ، ولك أنْ تتصوّر ما يحدث لو تهدَّم الجدار ، وانكشف هذا الكنز ، ولمع ذهبه أمام عيون هؤلاء القوم الذين عرفت صفاتهم ، وقد منعوهما الطعام بل ومجرد المأْوى ، إنَّ أقل ما يُوصفون به أنهم لِئَام لا يُؤتمنون على شيء . ولقد تعوَّدنا أن نعبر عن شدة الضياع بقولنا : ضياع الأيتام على موائد اللئام . إذن : فلا شَكَّ أن ما قام به العبد الصالح من بناء الجدار وإقامته أو ترميمه يُعَدُّ بمثابة صَفْعة لهؤلاء اللئام تناسب ما قابلوهم به من تنكُّر وسوء استقبال ، وترد لهم الصَّاع صاعين حين حرمهم الخضر من هذا الكنز . فعلَّة إصلاح الجدار ما كان تحته من مال يجب أنْ يحفظ لحين أنْ يكبُرَ هذان الغلامان ويتمكنا من حفظه وحمايته في قرية من اللئام . وكأن الحق سبحانه وتعالى أرسله لهذين الغلامين في هذا الوقت بالذات ، حيث أخذ الجدار في التصدُّع ، وظهرت عليه علامات الانهيار ليقوم بإصلاحه قبل أنْ يقع وينكشف أمر الكنز وصاحبيه في حال الضعف وعدم القدرة على حمايته . ثم إن العبد الصالح أصلح الجدار ورَدَّه إلى ما كان عليه رَدَّ مَنْ علَّمه الله من لَدُنْه ، فيقال : إنه بنَاهُ بناءً موقوتاً يتناسب وعُمْرَ الغلامين ، وكأنه بناه على عمر افتراضي ينتهي ببلوغ الغلامين سِنَّ الرشْد والقدرة على حماية الكنز فينهار . وهذه في الواقع عملية دقيقة لا يقدر على حسابها إلا مَنْ أُوتِي علماً خاصاً من الله تعالى . ويبدو من سياق الآية أنهما كانا في سِنٍّ واحدة توأمين لقوله تعالى : { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا … } [ الكهف : 82 ] أي : سوياً ، ومعنى الأشُدّ : أي القوة ، حيث تكتمل أجهزة الجسم وتستوي ، وأجهزة الجسم تكتمل حينما يصبح المرء قادراً على إنجاب مثله . وتلاحظ أن الحق - سبحانه وتعالى - قال هنا : { يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا … } [ الكهف : 82 ] ولم يقُلْ رُشْدهما ، لأنْ هناك فرْقاً بين الرُّشْد والأَشُدّ فالرُّشْد : حُسْن التصرُّف في الأمور ، أما الأشُدَّ : فهو القوة ، والغلامان هنا في حاجة إلى القوة التي تحمي كَنْزهما من هؤلاء اللئام فناسب هنا { أَشُدَّهُمَا … } [ الكهف : 82 ] . ثم يقول تعالى : { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ … } [ الكهف : 82 ] أي : يستخرجاه بما لديهما من القوة والفُتوَّة . والرحمة : صفة تُعطَى للمرحوم لتمنعه من الداء ، كما في قوله تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ … } [ الإسراء : 82 ] فقوله : شفاء : أي : يشفي داءً موجوداً ويُبرِئه . ورحمة : أي رحمة تمنع عودة الداء مرة أخرى . وكذلك ما حدث لهذين الغلامين ، كان رحمة من الله لحماية مالهما وحِفْظ حقِّهما ، ثم لم يَفُتْ العبد الصالح أنْ يُرجِع الفضل لأهله ، وينفي عن نفسه الغرور بالعلم والاستعلاء على صاحبه ، فيقول : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي . . } [ الكهف : 82 ] أي : أن ما حدث كان بأمر الله ، وما علَّمتك إياه كان من عند الله ، فليس لي مَيْزة عليك ، وهذا درس في أَدب التواضع ومعرفة الفضْل لأهله . ثم يقول : { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } [ الكهف : 82 ] تأويل : أي إرجاع الأمر إلى حقيقته ، وتفسير ما أشكل منه . * * * بعد ذلك تنتقل الآيات إلى سؤال آخر من الأسئلة الثلاثة التي سألها كفار مكة لرسول الله بإيعاز من اليهود ، وهو السؤال عن الرجل الطَّواف الذي طاف البلاد : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ … } .