Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 11-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن : حدثتْ هذه المسألة لزكريا وهو في المحرَابِ أي : مكان العبادة والصلاة ، وعادةً ما يكون مرتفعاً على شرف عما حوله ، وكان مصلى الأنبياء والصالحين ، وسُمي محراباً لأنه يحارب فيه الشيطان بكيْده ووسوسته . وقد ذُكر المحراب أيضاً في قصة داود عليه السلام : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } [ ص : 21 ] . وقد وردتْ هذه اللقطة من قصة زكريا عليه السلام في آية أخرى دَلَّتْ أيضاً على أن البشارة بيحيى كانت وهو في محرابه ، حيث قال تعالى : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً … } [ آل عمران : 39 ] . وقوله تعالى : { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ … } [ مريم : 11 ] قلنا : إن الوَحْي له معنى لُغَويّ ومعنى شرعي ، الوحي لُغةً : الإخبار بطريق خفيٍّ . وعلى هذا المعنى يأتي الوحي بطرق متعددة ، فالله تعالى يُوحِي للرسل والأنبياء ، ويُوحي لغير الرسل من المصطفين ، كما في قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ … } [ القصص : 7 ] أي : أخبرها بطريق خفيٍّ ، هو طريق الإلهام . ويُوحِي إلى الملائكة : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ الأنفال : 12 ] . ويُوحِي للصالحين من أتباع الرسل : { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي … } [ المائدة : 111 ] . ويتعدَّى الإعلام بخفاء إلى الحشرات : { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } [ النحل : 68 ] . بل يتعدَّى الوحي إلى الجماد في قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 1 - 5 ] . وقد يُوحي الشياطين بعضهم إلى بعض : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً … } [ الأنعام : 112 ] . ويُوحون إلى أوليائهم : { وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ … } [ الأنعام : 121 ] لأن الشيطان لا يأتي الإنسان إلا بطريق خفيٍّ ، ووسوسة في خواطره . أما الوحي الشرعي فهو إعلام من الله وحده إلى نبي يدَّعي النبوة ومعه معجزة ، إذن فالوحي : إعلام خفيّ من الله للرسول . فقوله تعالى : { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ … } [ مريم : 11 ] أي : قال لهم بطريق الإشارة لأنه لا يتكلم { أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [ مريم : 11 ] بُكرة : أول النهار ، وعَشياً : آخره ، يعني : طوِّقوا النهار بالتسبيح بداية ونهاية . وكأن زكريا عليه السلام قد بدتْ عليه علامات الفرح والانبساط بالبُشْرى ، ورأى أن شُكْره لله وتسبيحه لا ينهض بهذه النعمة ، فأمر قومه أنْ يُسبِّحوا الله معه ، ويشكروه معه على هذه النعمة لأنها لا تخصُّه وحده ، بل هي عامة لكل القوم . ثم يقول تعالى : { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ … } .