Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 45-45)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما زال خليل الله يتلطف في دعوة أبيه فيقول : { يَمَسَّكَ عَذَابٌ … } [ مريم : 45 ] ولم يقُلْ مثلاً : يصيبك . فهو لا يريد أنْ يصدمه بهذه الحقيقة ، والمسُّ : هو الالتصاق الخفيف ، وكأنه يقول له : إن أمرك يُهمني ، وأخاف عليك مجرد هبو التراب أن ينالك . وهذا منتهى الشفقة عليه والحرص على نجاته . ثم يقول : { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } [ مريم : 45 ] أي : قريباً منه ، وتابعاً له يصيبك من العذاب مَا يصيبه ، وتُعذّب كما يُعذّب . وهكذا انتهتْ هذه المحاورة التي احتوتْ أربعة نداءات حانية ، وجاءت نموذجاً فريداً للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فراعتْ مشاعر الأب الذي يدعوه ولده ويُقدِّم له النُّصْح ، ورتبت الأمور ترتيباً طبيعياً ، وسَلْسَلَتْها تسلْسُلاً لطيفاً لا يثير حفيظة السامع ولا يصدمه . وقد راعى الحق - تبارك وتعالى - جوانب النفس البشرية فأمر أنْ تكونَ الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى لا تجمع على المدعو قسوة الدعوة ، وقسوة أنْ يترك ما أَلِف ، ويخرج منه إلى ما لم يألف . فأنت حين تدعو شخصاً إلى الله فإنما تُخرِجه عن الفساد الذي أَلِفه ، وهو لم يألف الفساد إلا بعد أن اشتهاه أولاً ، ثم اعتاده بالفعل والممارسة ثانياً ، وهاتان مصيبتان آخذتان بزمامه ، فما أحوجه لأسلوب لَيِّن يستميل مشاعره ويعطفه نحوك فيستجيب لك . وما أشبه الداعية في هذا الموقف بالذي يحتال ليخلص الثوب الحرير من الأشواك ، أما إنْ نهرته وقسوْتَ عليه فسوف يُعرِض عنك ، وينصرف عن دعوتك ، ويظلّ على ما هو عليه من الفساد لذلك قال تعالى : { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } [ النحل : 125 ] . ويقولون : النصح ثقيل فلا تُرسِلْه جبلاً ، ولا تجعله جدلاً ، وقالوا : الحقائق مُرّة فاستعيروا لها خِفّة البيان . وبعد أنْ أنهى إبراهيم مقالته يرد الأب قائلاً : { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي … } .