Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 46-46)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفعل رغب يحمل المعنى وضده حَسْب حرف الجر بعده ، نقول : رغب في كذا . أي : أحبه وذهب إليه ، ورَغب عن كذا أي : كرهه واعتزله ، فمعنى { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ … } [ مريم : 46 ] أي : تاركها إلى غيرها ، كما جاء في قوله تعالى : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ … } [ البقرة : 130 ] أي : تركها إلى مِلَّة أخرى . ونلاحظ أن الفعل رَغِب لم يأْتِ مقترناً بعده بفي إلا مرة واحدة ، وإنْ كانت في مُقدَّرة بعد الفعل ، وهذا في قوله تعالى عن نكاح يتامى النساء : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ … } [ النساء : 127 ] . والرغبة في الشيء تعني حُبه وعِشْقه ، والرغبة في الطريق الموصّل إليه ، إلا أنك لم تسلك هذا الطريق بالفعل ، ولم تأخذ بالأسباب التي تُوصّلك إلى ما ترغب فيه ، وهذا المعنى واضح في قصة أصحاب الجنة في سورة ن حيث يقول تعالى : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } [ القلم : 17 - 20 ] . فقد اتفقوا على قَطْف ثمار بستانهم في الصباح ، ولم يقولوا : إن شاء الله ، فدمّرها الله وأهلكها وهم نائمون ، وفي الصباح انطلقوا إلى جنتهم وهم يقولون فيما بينهم : { لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } [ القلم : 24 ] . وهكذا قطعوا الطريق على أنفسهم حينما حَرَمُوا المسكين { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [ القلم : 26 - 27 ] ثم تنبهوا إلى ما وقعوا فيه من خطأ ، وعادوا إلى صوابهم فقالوا : { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } [ القلم : 32 ] . أي : راغبون في الطريق الموصّل إليه تعالى ، فقبل أنْ تقول : أنا راغب في الله . قل : أنا راغب إلى الله ، فالمسألة ليست حُباً فقط بل حُباً بثمن وسَعْي وعَمل يُوصِّلك إلى ما تحب . إذن : قبل أنْ تكونوا راغبين في ربكم ارغبوا إليه أولاً . وفي موضع آخر يقول تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ … } [ التوبة : 58 ] أي : يعيبك في توزيعها { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } [ التوبة : 58 ] فهم - إذن - لا يحبون الله ، وإنما يحبون العطاء والعَرَض الزائل ، بدليل أنهم لما مُنِعُوا سخطوا وصرفوا نظرهم عن دين الله كمَنْ قال الله فيهم : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ … } [ الحج : 11 ] . لذلك يُعدِّل لهم الحق سبحانه سلوكهم ، ويرشدهم إلى المنهج القويم : { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } [ التوبة : 59 ] أي : آخذين الوسيلة الموصِّلة إليه ، فالذي يرغب في حب الله عليه أنْ يرغبَ في الطريق الموصّل إليه . ثم يقول أبو إبراهيم : { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ … } [ مريم : 46 ] أي : تترك هذه المسألة التي تدعو إليها . والرجْم : هو الرمي بالحجارة ، ويبدو أن عملية الرجم كانت طريقة للتعذيب الشديد ، كما في قوله تعالى : { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ … } [ الكهف : 20 ] . { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } [ مريم : 46 ] أي : ابتعد عني وفارقني { مَلِيّاً } [ مريم : 46 ] المليّ : البُرْهة الطويلة من الزمن . ومنها الملاوة : الفترة الطويلة من الزمن ، والملوَان : الليل والنهار . فماذا قال نبي الله إبراهيم لعمه بعد هذه القسوة ؟ لم يخرج إبراهيم عن سَمْته العادل ، ولم يتعدَّ أدب الحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . قال : { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ … } .