Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 49-49)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [ مريم : 49 ] لم يذكر هنا إسماعيل لأن إسحاق جاء جزاءً من الله لإبراهيم على صبره في مسألة ذَبْح إسماعيل ، وما حدث من تفويضهما الأمر لله تعالى ، والتسليم لقضائه وقَدرهِ ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا أَسْلَمَا … } [ الصافات : 103 ] أي : إبراهيم وإسماعيل { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [ الصافات : 103 - 107 ] . ولم يقتصر الأمر على الفداء ، بل { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ … } [ الصافات : 112 ] فلما امتثل لأمر الله في الولد الأول وهبنا له الثاني . وفي آية أخرى يقول تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } [ الأنبياء : 72 ] . كأن الحفيد نافلة وزيادة في عطاء الذرية ، ومبالغة في الإكرام . ثم يمتنُّ الله على الجميع بأن يجعلَهم أنبياء { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } [ مريم : 49 ] فليس الامتنان بأنْ وهب له إسحاق ومن بعده يعقوب ، بل بأنْ جعلهم أنبياء ، وهذه جاءت بشرى لإبراهيم ، وكان حظّه أنْ يرعى دعوة الله حياً ، ويطمع أنْ تكونَ في ذريته من بعده ، وكانت هذه هي فكرة زكريا - عليه السلام - فكلهم يحرصون على الذرية لا للعزوة والتكاثر وميراث عَرَضِ الدنيا ، بل لحمل منهج الله وامتداد الدعوة فيهم والقيام بواجبها . انظر إلى قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ … } [ البقرة : 124 ] أي : حَمَّله تشريعات فقام بها على أتمِّ وجه وأدّاها على وجهها الصحيح ، فلما علم الله منه عِشْقه للتكليف أتمها عليه : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] فتثور مسألة الإمامة في نفس إبراهيم ، ويطمع أنْ تكونَ في ذريته من بعده فيقول : { وَمِن ذُرِّيَّتِي … } [ البقرة : 124 ] لذلك يُعدِّل الحق سبحانه فكرة إبراهيم عن الإمامة ، ويضع المبدأ العام لها ، فهي ليستْ ميراثاً ، إنها تكليف له شروط : { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] . فالظالمون لا يصلحون لهذه المهمة . فوعي إبراهيم عليه السلام هذا الدرس ، وأخذ هذا المبدأ ، وأراد أنْ يحتاط به في سؤاله لربه بعد ذلك ، فلما دعا ربه : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ … } [ البقرة : 126 ] فاحتاط لأنْ يكونَ في بلده ظالمون ، فقال : { مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ البقرة : 126 ] . لكن جاء قياس إبراهيم هنا في غير محله ، فعدَّل الله له المسألة لأنه يتكلم في أمر خاص بعطاء الربوبية الذي يشمل المؤمنَ والكافر ، والطائعَ والعاصي ، فقد ضمن الله الرزق للجميع فلا داعي للاحتياط في عطاء الربوبية لذلك أجابه ربه : { قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ البقرة : 126 ] . إذن : فهناك فارق بين العطاءين : عطاء الربوبية وعطاء الألوهية ، والإمامية في منهج الله ، فعطاء الربوبية رِزْق يُسَاق للجميع وخاضع للأسباب ، فمَنْ أخذ بأسبابه نال منه ما يريد ، أما عطاء الألوهية فتكليف وطاعة وعبادة . يقول تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا … } .