Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وللتوبة شروط يجب مراعاتها ، وهي : أن تُقلِع عن الذنب الذي تقع فيه ، وأن تندم على ما بدر منك ، وأنْ تنوي وتعزم عدم العودة إليه مرة أخرى . وليس معنى ذلك أنك إنْ عُدْتَ فلن تُقْبلَ منك التوبة ، فقد تتعرض لظروف تُوقِعك في الذنب مرة أخرى . لكن المراد أنْ تعزم صادقاً عند التوبة عدم العَوْد ، فإنْ وقعت فيه مرة أخرى تكون عن غير قَصْد ودون إصرار . وإلاّ لو دبرتَ لهذه المسألة فقُلْت : أذنب ثم أتوب ، فمن يُدرِيك أن الله تعالى سيمهلك إلى أن تتوبَ ؟ إذن : فبادر بها قبل فَوات أوانها . هذه - إذن - شروط التوبة إنْ كانت في أمر بين العبد وربه ، فإنْ كانت تتعلق بالعباد فلا بُدَّ أنْ يتوفّر لها شرط آخر وهو رَدُّ المظالم إلى أهلها إنْ كانت ترد ، أو التبرع بها في وجوه الخير على أنْ ينويَ ثوابها لأصحابها ، إنْ كانت مظالم لا تُردُّ . ثم يقول تعالى بعدها : { وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً … } [ مريم : 60 ] معنى : وآمن بعد أنْ تاب ، تعني أن ما أحدثه من معصية خدش إيمانه ، فيحتاج إلى تجديده . وهذا واضح في الحديث الشريف : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " . فساعةَ مباشرة هذه المعاصي تنتفي عن الإنسان صفة الإيمان لأن إيمانه غاب في هذه اللحظة لأنه لو استحضر الإيمان وما يلزمه من عقوبات الدنيا والآخرة ما وقع في هذه المعاصي . لذلك قال : وَآمَنَ أي : جدَّد إيمانه ، وأعاده بعد توبته ، ثم { وَعَمِلَ صَالِحاً … } [ مريم : 60 ] ليصلح به ما أفسده بفعل المعاصي . والنتيجة : { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [ مريم : 60 ] وفي موضع آخر ، كان جزاء مَنْ تاب وآمن وعمل صالحاً : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ … } [ الفرقان : 70 ] . فلماذا كُلُّ هذا الكرم من الله تعالى لأهل المعاصي الذين تابوا ؟ قالوا : لأن الذي أَلِفَ الشهوة واعتاد المعصية ، وأدرك لذَّته فيها يحتاج إلى مجهود كبير في مجاهدة نفسه وكَبْحها ، على خلاف مَنْ لم يتعوّد عليها ، لذلك احتاج العاصون إلى حافز يدفعهم ليعودوا إلى ساحة ربهم . لذلك قال سبحانه : { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ … } [ مريم : 60 ] دون أنْ يُعيَّروا بما فعلوه لأنهم صَدَقُوا التوبة إلى الله { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [ مريم : 60 ] وبقدر ما تكون التوبة صادقة ، والندم عليها عظيماً ، وبقدر ما تلوم نفسَك ، وتسكب الدمْع على معصيتك بقدر ما يكون لك من الأجر والثواب ، وبقدر ما تُبدَّل سيئاتك حسناتٍ . وكُلُّ هذا بفضل الله وبرحمته . ثم يقول الحق سبحانه : { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ … } .