Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 118-118)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه وتعالى حين قال : { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 118 ] … أي لا يعلمون عن كتاب الله شيئاً لأنهم كفار … وهؤلاء سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم الله … ومعنى أن يكلمهم الله أن يسمعوا كلاما من الله سبحانه … كما سمع موسى كلام الله . وماذا كانوا يريدون من كلام الله تبارك وتعالى … أكانوا يريدون أن يقول لهم الله إنه أرسل محمداً رسولاً ليبلغهم بمنهج السماء … وكأن كل المعجزات التي أَيَّدَ الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسها القرآن الكريم - لم تكن كافية لإقناعهم … مع أن القرآن كلام معجز وقد أتى به رسول أمي … سألوه عن أشياء حدثت فأوحى الله بها إليه بالتفصيل … جاء القرآن ليتحدى في أحداث المستقبل وفي أسرار النفس البشرية … وكان ذلك يكفيهم لو أنهم استخدموا عقولهم ولكنهم أرادوا العناد كلما جاءتهم آية كذبوا بها وطلبوا آية أخرى … والله سبحانه وتعالى قد أبلغنا أنه لا يمكن لطبيعة البشر أن تتلقى عن الله مباشرة … واقرأ قوله سبحانه : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ … } [ الشورى : 51 ] . إذن فالبشر حتى المصطفى من الله والمؤهل للتلقي عن الله … لا يكلمه الله إلا وحيا أو إلهام خاطرٍ أو من وراء حجاب كما كلم موسى … أو يرسل رسولا مبلغا للناس لمنهج الله … أما الاتصال المباشر فهو أمر تمنعه بشرية الخلق . ثم يقول الحق تبارك وتعالى : { أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ } [ البقرة : 118 ] … والآيات التي يطلبها الكفار ويأتي بها الله سبحانه وتعالى ويحققها لهم … لا يؤمنون بها بل يزدادون كفراً وعناداً … والله جل جلاله يقول : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا … } [ الإسراء : 59 ] . إذن فالآيات التي يطلبها الكفار ليؤمنوا لا تجعلهم يؤمنون … ولكن يزدادون كفراً حتى ولو علموا يقينا أن هذه الآيات من عند الله سبحانه وتعالى كما حدث لآل فرعون … واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ النمل : 13 - 14 ] . وهكذا فإن طلبهم أن يكلمهم الله أو تأتيهم آية كان من باب العناد والكفر … والحق سبحانه يقول : { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ } [ البقرة : 118 ] … فبنو إسرائيل قالوا لموسى أرنا الله جهرة … الذين لا يعلمون قالوا لولا يكلمنا الله … ولكن الذين قالوا أرنا الله جهرة كانوا يعلمون لأنهم كانوا يؤمنون بالتوراة . . فتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون … لذلك قال الله تبارك وتعالى : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [ البقرة : 118 ] … أي قلوب أولئك الذين كانوا خاضعين للمنهج والذين لا يخضعون لمنهج قد تشابهت بمنطق واحد . ولو أن الذين لا يعلمون قالوا ولم يقل الذين يعلمون لهان الأمر … وقلنا جهلهم هو الذي أوحى إليهم بما قالوا … ولكن ما عذر الذين علموا وعندهم كتاب أن يقولوا أرنا الله جهرة … إذن فهناك شيء مشترك بينهم تشابهت قلوبهم في الهوى … إن مصدر كل حركة سلوكية أو حركة جارحة إنما هو القلب الذي تصدر عنه دوافع الحركة … وما دام القلب غير خالص لله فيستوي الذي يعلم والذي لا يعلم . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ البقرة : 118 ] … ما هو اليقين ؟ هو استقرار القضية في القلب استقراراً لا يحتمل شكا ولا زلزلة … ولا يمكن أن تخرج القضية مرة أخرى إلى العقل … لتناقش من جديد لأنه أصبح يقينا … واليقين يأتي من إخبار من تثق به وتصبح أخباره يقينا … فإذا قال الله قال اليقين … وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فكلامه حق … ولذلك من مصداقية الإيمان أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه … عندما قيل له إن صاحبك يقول إنه صُعد به إلى السماء السابعة وذهب إلى بيت المقدس في ليلة واحدة … قال إن كان قد قال فقد صدق . إن اليقين عنده نشأ من إخبار من يثق فيه وهذا نسميه علم يقين … وقد يرتقي الأمر ليصير عين يقين … عندما ترى الشيء بعينك بعد أن حُدثت عن رؤية غيرك له … ثم تدخل في حقيقة الشيء فيصبح حق يقين … إذن اليقين علم إذا جاء عن إخبار من تثق به … وعين يقين إذا كان الأمر قد شوهد مشاهدة العين … وحق يقين هو أن تدخل في حقيقة الشيء … والله سبحانه وتعالى يشرح هذا في قوله تعالى : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } [ التكاثر : 1 - 6 ] . هذه هي المرحلة الأولى أن يأتينا علم اليقين من الله سبحانه وتعالى … ثم تأتي المرحلة الثانية في قوله تبارك وتعالى : { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } [ التكاثر : 7 ] . أي أنتم ستشاهدون جهنم بأعينكم يوم القيامة … هذا علم يقين وعين يقين … يأتي بعد ذلك حق اليقين في قوله تعالى : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [ الواقعة : 92 - 95 ] . والمؤمن عافاه الله من أن يعاين النار كحق يقين … إنه سيراها وهو يمر على الصراط … ولكن الكافر هو الذي سيصلاها حقيقة يقين … ولقد قال أهل الكتاب لأنبيائهم ما يوافق قول غير المؤمنين … فاليهود قالوا لموسى : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] … والمسيحيون قالوا لعيسى : { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ المائدة : 112 ] قال : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } [ المائدة : 112 ] … وهكذا شجع المؤمنون بالكتاب غير المؤمنين بأن يطلبوا رؤية الله ويطلبوا المعجزات المادية .