Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 128-128)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هناك فرق بين أن تُكَلَّفَ بشيء فتفعله بحب ، وأن تفعل شكلية التكليف وتخرج من عملك خروج الذي ألقى عن كاهله عبء التكليف … في هذه الآية الكريمة دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل ، وكانا يقولان يا رب أنت أمرتنا أن نرفع القواعد من البيت وقد فعلنا ما أمرتنا … وليس معنى ذلك أننا اكتفينا بتكليفك لنا لأننا نريد أن نذوق حلاوة التكليف منك مرات ومرات … { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } [ البقرة : 128 ] نسلم كل أمورنا إليك . إن الإنسان لا يمكن أن ينتهي من تكليف ليطلب تكليفاً غيره إلا إذا كان قد عشق حلاوة التكليف ووجد فيه استمتاعاً … ولا يجد الإنسان استمتاعاً في التكليف إلا إذا استحضر الجزاء عليه … كلما عمل شيئاً استحضر النعيم الذي ينتظره على هذا العمل فطلب المزيد . إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بمجرد أن فرغاً من رفع القواعد من البيت قالا : { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } [ البقرة : 128 ] ولم يكتفيا بذلك بل أرادا امتداد حلاوة التكليف إلى ذريتهما من بعدهما … فيقولان : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] … ليتصل أمد منهج الله في الأرض ويستمر التكليف من ذرية إلى ذرية إلى يوم القيامة … ثم يقولان : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } [ البقرة : 128 ] … أي بَيِّنْ لنا يا رب ما تريده منا … بَيِّنْ لنا كيف نعبدك وكيف نتقرب إليك … والمناسك هي الأمور التي يريد الله سبحانه وتعالى أن نعبده بها . وقوله : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } [ البقرة : 128 ] ترينا أن إبراهيم يرغب في فتح أبواب التكليف على نفسه ، لأنه لا يرى في كل تكليف إلا تطهيراً للنفس وخيراً للذرية ونعيماً في الآخرة … ولذلك يقول كما يروي لنا الحق : { وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 128 ] … وتب علينا ليس ضرورياً أن نفهمها على أنها توبة من المعصية … وأن إبراهيم وإسماعيل وقعا في المعصية فيريدان التوبة إلى الله … وإنما لأنهما علما أن من سيأتي بعدهما سيقع في الذنب فطلبا التوبة لذريتهما … ومن أين عَلِما ؟ عندما قال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم : { وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ البقرة : 126 ] … لقد طلبا من الله تبارك وتعالى التوبة والرحمة لذريتهما … والله يحب التوبة من عباده وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة … لأن المعصية عندما تأخذ الإنسان من منهج الله لتعطيه نفعاً عاجلاً فإن حلاوة الإيمان - إن كان مؤمناً - ستجذبه مرة أخرى إلى الإيمان بعيداً عن المعاصي … ولذلك قيل إن انتفعت بالتوبة وندمت على ما فعلت ، فإن الله لا يغفر لك ذنوبك فقط ، ولكن يبدل سيئاتك حسنات … وقلنا إن تشريع التوبة كان وقاية للمجتمع كله من أذى وشر كبير … لأنه لو كان الذنب الواحد يجعلك خالداً في النار ، ولا توبة بعده لتَجَبَّرَ العصاة وازدادوا شراً … ولأصيب المجتمع كله بشرورهم ولَيَئِسَ الناس من آخرتهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " لذلك فمن رحمة الله سبحانه أنه شرع لنا التوبة ليرحمنا من شراسة الأذى والمعصية .