Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 142-142)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية نزلت لتصفي مسألة توجه محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى الكعبة بدلاً من بيت المقدس … وهذا أول نسخ في القرآن الكريم … يريد الله سبحانه وتعالى أن يعطيه العناية اللائقة لأنه سيكون مثار تشكيك وجدل عنيف من كل من يعادي الإسلام فكفار قريش سيأخذون منه ذريعة للتشكيك وكذلك المنافقون واليهود . الله تبارك وتعالى يريد أن يحدد المسألة قبل أن تتم هذه التشكيكات … فيقول جل جلاله : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } [ البقرة : 142 ] … حرف السين هنا يؤكد أنهم لم يقولوا بعد … ولذلك قال سبحانه : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ } [ البقرة : 142 ] فقبل أن يتم تحويل القبلة قال الحق تعالى : إن هذه العملية ستحدث هزة عنيفة يستغلها المشككون . وبرغم أن الله سبحانه وتعالى قال : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ } [ البقرة : 142 ] … أي أنهم لم يقولوها إلا بعد أن نزلت هذه الآية … مما يدل على أنهم سفهاء حقاً لأن الله جل جلاله أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم في قرآن يتلى ويصلى به ولا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة … قال : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 142 ] … فلو أنهم امتنعوا عن القول ولم يعلقوا على تحويل القبلة لكان ذلك تشكيكاً في القرآن الكريم … لأنهم في هذه الحالة كانوا يستطيعون أن يقولوا : إن قرآنا أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة … قال : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ } [ البقرة : 142 ] … ولم يقل أحد شيئاً … ولكن لأنهم سفهاء فعلاً … والسفه جهل وحمق وطيش قالوها … فكانوا وهم الكافرون بالقرآن الذين يريدون هدم هذا الدين من المثبتين للإيمان الذين تشهد أعمالهم بصدق القرآن . لأن الله سبحانه قال : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ } [ البقرة : 142 ] وهم قالوا فعلاً … ولقد قال كفار مكة عن الكعبة إنها بيتنا وبيت آبائنا وليست بيت الله … فصرف الله رسوله في أول الإسلام ووجهه إلى بيت المقدس … وعندئذ قال اليهود : يسفه ديننا ويتبع قبلتنا … والله سبحانه وتعالى أراد أن يحتوي الإسلام كل دين قبله فتكون القداسة للكل … ولذلك أسرى برسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس … حتى يدخل بيت المقدس في مقدسات الإسلام لأنه أصبح محتوى في الإسلام . ولم يشأ الله أن يجعل القبلة إلى الكعبة أول الأمر لأنهم كانوا يقدسونها على أنها بيت العرب وكانوا يضعون فيها أصنامهم … ووضع الأصنام في الكعبة شهادة بأن لها قداسة في ذاتها … فالقداسة لم تأت بأصنامهم بل هم أرادوا أن يحموا هذه الأصنام فوضعوها في الكعبة . . لماذا لم يضعوها في مكان آخر ؟ لأن الكعبة مقدسة بدون أصنام . والله سبحانه وتعالى حين قال : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } [ البقرة : 142 ] … وَلاّه يعني حرفه ورده … والقبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس … وهنا يأتي الحق برد جامع هو أن أوامر الله الإيمانية لا ترتبط بالعلة … إنما علة التنفيذ فيما يأمرنا الله سبحانه به جل جلاله أن الله هو الآمر … ولو أن الحق تبارك وتعالى بين لنا السبب أو العلة في تغيير القبلة لما كان الأمر امتحاناً للإيمان في القلوب … لأن الإيمان والعبادة هي طاعة معبود فيما يأمر وما ينهي … يقول لك الله عظم هذا الحجر وهو الحجر الأسود الموجود في الكعبة فتعظمه بالاستلام والتقبيل … ويقول لك : ارجم هذا الحجر الذي يرمز إلى إبليس فترجمه بالحصى ، ولا يقول الله سبحانه لماذا ؟ لأنه لو قال لماذا ضاع الإيمان هنا وأصبح الأمر مسألة إقناع واقتناع . فأنا حين أقول لك لا تأكل هذا لأنه مر ، وكل هذا لأنه حلو يكون السبب واضحاً … ولكن الله تبارك وتعالى يقول لك كل هذا ولا تأكل هذا … فإن أكلت مما حرمه تكون آثماً . وإن امتنعت تكون طائعاً وتثاب . إذن العلة الإيمانية هي أن الأمر صادر من الله سبحانه … ولو أنك امتنعت عن شرب الخمر لأنها ضارة بالصحة أو تفسد الكبد فلا ثواب لك ، ولو امتنعت عن أكل لحم الخنزير لأن فيه كمية كبيرة من الكوليسترول وله مضار كثيرة فلا ثواب لك … ولكنك لو امتنعت عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير لأن الله حرمهما … فهذه هي العبادة وهذا هو الثواب . الله سبحانه وتعالى أراد أن يرد على هؤلاء السفهاء فقال : { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ البقرة : 142 ] … أي أنك إذا اتجهت إلى بيت المقدس أو اتجهت إلى الكعبة أو اتجهت إلى أي مكان في هذا الكون فالله موجود فيه … فبيت المقدي ليس له خصوصية بذاته ، والكعبة ليس لها خصوصية بذاتها … ولكن أمر الله تبارك وتعالى هو الذي يعطيهما هذه الخصوصية … فإذا اتجهنا إلى بيت المقدس فنحن نتجه إليه طاعة لأمر الله … فإذا قال الله سبحانه اتجهوا إلى الكعبة اتجهنا إليها طاعة لأمر الله . قوله تعالى : { يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ البقرة : 142 ] … الصراط هو الطريق المستقيم لا التواء فيه بحيث يكون أقرب المسافات إلى الهدف . والله سبحانه وجهنا لبيت المقدس فهو صراط مستقيم نتبعه … وجهنا إلى الكعبة فهو صراط مستقيم نتبعه … فالأمر لله .