Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 143-143)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ساعة ترى كذلك فهناك تشبيه … الحق سبحانه وتعالى يريدنا أن نتنبه إلى نعمته في أنه جعلنا أمة وسطاً … فكل ما يشرعه الله يدخل في باب النعم على المؤمنين … وإذا كان الاتجاه إلى الكعبة هو اختبار لليقين الإيماني في نفوس المسلمين … فإنه سبحانه جعلنا أمة وسطاً نعمة منه ، وما دمنا وسطاً فلابد أن هناك أطرافاً حتى يتحدد الوسط … هذا طرف ثم الوسط ثم طرف آخر … ووسط الشيء منتصفه أو ما بين الطرفين . ولكن ما معنى أمة وسطاً ؟ وسط في الإيمان والعقيدة . فهناك من أنكروا وجود الإله الحق … وهناك من أسرفوا فعددوا الآلهة … هذا الطرف مخطئ وهذا الطرف مخطئ … أما نحن المسلمين فقلنا لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحد أحد … وهذه بديهية من بديهيات هذا الكون … لأن الله تبارك وتعالى خلق الكون وخلق كل ما فيه وقال سبحانه إنه خلق … ولم يأت ولن يأتي من يدَّعي الخلق … إذن فالدعوى خالصة لله تبارك وتعالى … ولو كان في هذا الكون آلهة متعددة لادَّعى كل واحد منهم الخلق … ولذلك فإن الله جل جلاله يقول : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ المؤمنون : 91 ] . أي لتنازع الخلق ولاضطرب الكون … فالإسلام دين وسط بين الإلحاد وتعدد الآلهة … على أن هناك أناساً يسرفون في المادية ويهملون القيم الروحية … وأناساً يهملون المادة ويؤمنون بالقيم الروحية وحدها . واقع الحياة أن الماديين يفتنون الروحانيين لأن عندهم المال والقوة … الإسلام جاء وسطاً فيه المادة والروح … وإياك أن تقول أن الروح أحسن من المادة أو المادة أحسن من الروح … فالمادة وحدها والروح وحدها مسخرة وعابدة ومسبحة لله تعالى … لكن حين تختلط المادة بالروح فإنه توجد النفس ، والنفس هي التي لها اختيار تطيع أو تعصي … تعبد أو تكفر والعياذ بالله . الله سبحانه يريد من المؤمنين أن يعيشوا مادية الحياة بقيم السماء … وهذه وسطية الإسلام ، لم يأخذ الروح وحدها ولا المادة وحدها … وإنما أوجد مادية الحياة محروسة بقيم السماء … فحين يخبرنا الله سبحانه أنه سيجعلنا أمة وسطاً تجمع خير الطرفين نعرف أن الدين جاء ليعصم البشر من أهواء البشر . الله تبارك وتعالى يريدنا أن نبحث في ماديات الكون بما يخلق التقدم والرفاهية والقوة للبشرية … فما هو مادي معملي لا يختلف البشر فيه … لكن ما يدخل فيه أهواء البشر ستضع السماء لكم قانونه … فإذا عشتم بالأهواء ستشقون . . وإذا عشتم بنظريات السماء ستسعدون . قد يتساءل البعض هل الشيوعية التي جاءت منذ أكثر من نصف قرن ارتقت بشعوبها أم لا ؟ نقول انظروا إليها الآن لقد بنت ما ادعته من ارتقاءات على الكذب والزيف … ثم تراجعت ثم انهارت تماماً … وكما انهارت الشيوعية ستنهار الرأسمالية لأنهما طرفان متناقضان … إنما نحن أمة وسطاً … ولذلك أعطانا الله سبحانه خيري الدنيا والآخرة . الحق سبحانه يقول : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] … أي أن الحجة ستكون لكم في المستقبل … وسيضطر العالم إلى الرجوع إلى ما يقننه دينكم … والله تبارك وتعالى قال : { أُمَّةً وَسَطاً } [ البقرة : 143 ] ولم يقل الوسط بكسر الواو أي المنتصف حتى لا يقال إن هؤلاء الرأسماليين والشيوعيين سيتراجعون إلى الحق تماماً . ولكن بعضهم سيميل قليلاً إلى هذه الناحية أو تلك بحيث يتم اللقاء … ولذلك عندما يقولون نأخذ أموال الأغنياء ونوزعها على الفقراء … نقول لهم وعندما يأتي فقير في المستقبل … من أين تعطيه بعد أن قضيت على الأغنياء ؟ . وقد سمعت من شخص له تجربة في السياسة والحكم … قال إن الذي كان يعمل معي وأضاع ماله كله على الخمر والقمار والنساء كان أحسن مني … لأنني احتفظت بأموالي ونميتها فقالوا إنك إقطاعي وصادروها … بينما ذلك الذي أسرف لم يفعلوا به شيئاً … قلت إن الله سبحانه وتعالى يريد منك أن تنمي مالك … لأنك إن لم تنمه ودفعت عنه زكاة 2 . 5 % فالمال يفنى خلال أربعين سنة … ولكن إذا نميت مالك وجاءوا إلى ناتج عملك وأخذوه بدعوى أنك إقطاعي فإنهم يقضون على العمل في المجتمع … لأنه إذا كنت ستأخذ ناتج عمله بدون حق فلماذا يعمل ؟ إن الإسلام جاء ليزيد مجال حركة الحياة ويضمن مال المتحرك … ليأخذ من ماله زكاة ويعين غير القادر حتى لا يحقد على المجتمع … هذا وسط . وقوله تعالى : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] … فكأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه ستحدث في الكون معركة لن يفصل فيها إلا شهادة هذه الأمة … فاليمين أو الرأسمالية على خطأ ، والشيوعية على خطأ … أما منهج الله الذي وضع الموازين القسط للكون ولحياة الإنسان فهو الصواب … ثم يخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون شهيداً علينا … هل كان عملنا وتحركنا مطابقاً لما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وبلغه الرسول عليه الصلاة والسلام لنا ؟ أم أننا اتبعنا أهواءنا وانحرفنا عن المنهج . الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون شهيداً علينا في هذه النقطة … تلك الآية وإن كانت قد بشرت الأمة الوسط بأن العالم سيعود إلى حكمها ، فذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا سادت شهادة الحق والعدل فيها : وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [ البقرة : 143 ] . . هذه عودة إلى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة … الله تبارك وتعالى لا يفضل اتجاهاً على اتجاه … ولذلك فإن الذين يتجهون إلى الكعبة ستختلف اتجاهاتهم حسب موقع بلادهم من الكعبة … هذا يتجه إلى الشرق وهذا يتجه إلى الشمال الشرقي … وهذا يتجه إلى الجنوب الغربي . إنه ليس هناك عند الله اتجاه مفضل على اتجاه … ولكن تغيير القبلة جعله الله سبحانه اختباراً إيمانياً ليس علم معرفة ولكن علم مشهد … لأن الله سبحانه وتعالى يعلم … ولكنه جل جلاله يريد أن يكون الإنسان شهيداً على نفسه يوم القيامة … ولكنه اختبار إيماني ليعلم الله مدى إيمانكم ومن سيطيع الرسول فيما جاءه من الله ومن سينقلب على عقبيه … فكأن أمر تحويل القبلة سيحدث هزة إيمانية عنيفة في المسلمين أنفسهم … فيعلم الله من يستمر في إيمانه واتباعه لرسول الله … ومن سيرفض ويتحول عن دين الإسلام . وقوله تعالى : { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } [ البقرة : 143 ] … والله يريد هنا العلم الذي سيكون شهيداً على الناس يوم القيامة … وعملية الابتلاء أو الاختبار في تغيير القبلة عملية شاقة … إلا على المؤمنين الذين يرحبون بكل تكليف … لأنهم يعرفون أن الإيمان هو الطاعة ولا ينظرون إلى علة الأشياء . ولكن الكفار والمنافقين واليهود لم يتركوا عملية تحويل القبلة تمر هكذا فقالوا : إن كانت القبلة هي الكعبة فقد ضاعت صلاتكم أيام اتجهتم إلى بيت المقدس … وإن كانت القبلة هي بيت المقدس فستضيع صلاتكم وأنتم متجهون إلى الكعبة . نقول لهم لا تعزلوا الحكم عن زمنه … قبلة بيت المقدس كانت في زمنها والكعبة تأتي في زمنها … لا هذه اعتدت على هذه ولا هذه اعتدت على هذه … ولقد مات أناس من المؤمنين وهم يصلون إلى بيت المقدس ، فقام المشككون وقالوا صلاتهم غير مقبولة … ورد الله سبحانه بقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [ البقرة : 143 ] … لأن الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس كانوا مطيعين لله مؤمنين به فلا يضيع الله إيمانهم . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 143 ] … أي تذكروا أنكم تؤمنون برب رءوف لا يريد بكم مشقة … رحيم يمنع البلاء عنكم .