Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 144-144)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نحن نعلم أن " قد " للتحقيق … و " نرى " … فعل مضارع مما يدل على أن الحدث في زمن التكلم … الحق سبحانه وتعالى يعطينا صورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم … أنه يحب ويشتاق أن يتجه إلى الكعبة بدلاً من بيت المقدس … وكان عليه الصلاة والسلام قد اعتاد أن يأتيه الوحي من علو … فكأنه صلى الله عليه وسلم كان يتجه ببصره إلى السماء مكان إيتاء الوحي … ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان قلبه متعلقاً بأن يأتيه الوحي بتغيير القبلة … فكأن هذا أمر شغله . إن الله سبحانه يحيط رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه قد رأى تقلب وجه رسوله الكريم في السماء وأجابه ليتجه إلى القبلة التي يرضاها … فهل معنى ذلك أن القبلة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي بيت المقدس لم يكن راضياً عنها ؟ نقول لا … وإنما الرضا دائماً يتعلق بالعاطفة ، وهناك فرق بين حب العاطفة وحب العقل … ولذلك لا يقول أحد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن راضياً عن قبلة بيت المقدس … وإنما كان يتجه إلى بيت المقدس وفي قلبه عاطفة تتجه إلى الكعبة … هذا يدل على الطاعة والالتزام . الله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [ البقرة : 144 ] أي تحبها بعاطفتك … ورسول الله عليه الصلاة والسلام كان يتطلع إلى هذا التغيير ، فكأن عواطفه صلى الله عليه وسلم اتجهت لتضع مقدمات التحويل . قال الله تعالى : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 144 ] … والمراد بالوجه هو الذات كلها وكلمة شطر معناها الجهة ، والشطر معناه النصف … وكلا المعنيين صحيح لأنه حين يوجد الإنسان في مكان يصبح مركزاً لدائرة ينتهي بشيء اسمه الأفق وهو مدى البصر … وما يخيل إليك عنده أن السماء انطبقت على الأرض . إن كل إنسان منا له دائرة على حسب نظره فإذا ارتفع الإنسان تتسع الدائرة … وإذا كان بصره ضعيفاً يكون أفقه أقل ، ويكون هو في وسط دائرة نصفها أمامه ونصفها خلفه . إذن الذي يقول الشطر هو النصف صحيح والذي يقول إن الشطر هو الجهة صحيح . وقوله تعالى : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 144 ] … أي اجعل وجهك جهة المسجد الحرام . أو اجعل المسجد الحرام في نصف الدائرة التي أمامك … وفي الزمن الماضي كانت العبادات تتم في أماكن خاصة … إلى أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الله له الأرض كلها مسجداً . إن المسجد هو مكان السجود ، ونظراً لأن السجود هو منتهى الخضوع لله فسمي المكان الذي نصلي فيه مسجداً . . ولكن هناك فرقاً بين مكان تسجد فيه ومكان تجعله مقصوراً على الصلاة لله ولا تزاول فيه شيئاً آخر . المسجد مخصص للصلاة والعبادة … أما المكان الذي تسجد فيه وتزاول حركة حياتك فلا يسمى مسجداً إلا ساعة تسجد فيه … والكعبة بيت الله . باختيار الله . وجميع مساجد الأرض بيوت الله باختيار خلق الله … ولذلك كان بيت الله باختيار الله قبلة لبيوت الله باختيار خلق الله . وقوله تعالى : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ } [ البقرة : 144 ] يعني أينما كنتم … { فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [ البقرة : 144 ] … لأن الآية نزلت وهم في مسجد بني سلمة بالمدينة ، فتحول المسلمون إلى المسجد الحرام … وحتى لا يعتقد أحد أن التحويل في هذا المسجد فقط وفي الوقت الذي نزلت فيه الآية فقط قال تعالى : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [ البقرة : 144 ] … وقوله جل جلاله : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 144 ] … أي أن الذين أوتوا الكتاب ويحاولون التشكيك في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم … يعلمون أن رسول الله هو الرسول الخاتم ويعرفون أوصافه التي ذكرت في التوراة والإنجيل … ويعلمون أنه صاحب القبلتين … ولو لم يتجه الرسول صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى الكعبة … لقالوا إن التوراة والإنجيل تقولان إن الرسول الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم يصلي إلى قبلتين فلماذا لم تتحقق ؟ ولكان هذا أدعى إلى التشكيك . إذن فالذين أوتوا الكتاب يعلمون أنه الحق من ربهم … لأنه في التوراة أن الرسول الذي سيجيء وسيتجه إلى بيت المقدس ثم يتجه إلى البيت الحرام … فكأن هذا التحويل بالنسبة لأهل الكتاب تثبيت لإيمانهم بالرسول عليه الصلاة والسلام وليس سبباً في زعزعة اليقين . وقوله تعالى : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 144 ] … يريد الحق تبارك وتعالى أن يطمئن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشكيكهم لا يقدم ولا يؤخر … فموقفهم ليس لطلب الحجة ولكن للمكابرة … فهم لا يريدون حجة ولا دليلاً إيمانياً … ولكنهم يريدون المكابرة .