Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 153-153)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الله سبحانه وتعالى يطالبنا أن نستعين بالصبر والصلاة … على ماذا ؟ على كل ما يطلبه منا الله … على تكليفاته ومنهجه نستعين على ذلك بالصبر والصلاة … ولكن لماذا الصبر ؟ لأن الصبر هو منع النفس من الجزع من أي شيء يحدث وهو يأخذ ألواناً شتى حسب تسامي الناس في العبادة . فمثلاً سئل الإمام علي رضي الله عنه عن حق الجار ؟ قال : تعلمون أنك لا تؤذيه ؟ قالوا نعم … قال وأن تصبر على أذاه … فكأنه ليس مطلوباً منك فقط ألا تؤذي جارك بل تصبر على أذاه … والصبر هو الذي يعينك على أن تفعل ما أمرك الله به ولا تفعل ما نهاك الله عنه . إن الله منعك من أشياء هي من شهوات النفس وأمرك بأشياء فيها مشقة وهذه محتاجة إلى الصبر … وأنت إن أخذت منهج الله تعبداً ستأخذه فيما بعد عادة ، يقول أحد الصالحين في دعائه : اللهم إني أسألك ألا تكلني إلى نفسي ، فإني أخشى يا رب ألا تثيبني على الطاعة لأنني أصبحت أشتهيها فسبحانك أمرتنا أن نحارب شهواتنا … انظر إلى الطاعة من كثرة حب الله أصبحت مرغوبة محببة إلى النفس … رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لبلال ساعة الآذان : " أرحنا بها يا بلال " ولم يقل كما يقول بعض الناس - والعياذ بالله - أرحنا منها ذلك أن هناك من يقول لك : إن الصلاة تكون على كتفي مثل الجبل وأرتاح ، نقول له أنت ترتاح بها ولا ترتاح منها … لأنك وقفت بين يدي الله المُكَلِّف ، وما دام الإنسان واقفاً أمام ربه فكل أمر شاق يصبح سهلاً . يقول أحد العابدين : أنا لا أواجه الله بعبوديتي ، ولكن أواجهه بربوبيته فأرتاح لأنه ربي ورب العالمين … الذي له أب يعينه لا يحمل هما ، فما بالك بالذي له رب يعينه وينصره . قول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [ البقرة : 153 ] أي أنه يطلب منك أن تواجه الحياة في معية الله فأنت لو واجهت المشكلات في معية من تثق في قوته تواجه الأمور بشجاعة ، فما بالك إذا كنت في معية الله وكل شيء في الوجود خاضع لله ، أيجرؤ شيء أن يقف أمامك وأنت مع الله ؟ إن الأحداث لا تملأ الخلق بالفزع والهلع إلا ساعة الانفلات من حضانة ربهم … وإنما من يعيش في حضانة ربه لا يجرؤ عليه الشيطان فالشيطان خناس … ما معنى خناس ؟ إذا سهوت عن الله اجترأ عليك ، وإذا ذكرت الله خنس وضعف فهو لا قوة له … وهو لا يدخل مع الله سبحانه وتعالى في معركة ، وإنما يدخل مع خلق الله الذين ينسون الله ويبتعدون عنه . . يقول القرآن الكريم : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 82 - 83 ] . وما دام الله سبحانه وتعالى مع الصابرين فلابد أن نعشق الصبر … وكيف لا نعشق ما يجعل الله معنا ؟ يقول الحق جل جلاله في الحديث القدسي : " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " يقول بعض الصالحين : اللهم إني استحي أن أسألك الشفاء والعافية حتى لا يكون ذلك زهداً في معيتي لك … إذن لابد أن نعشق الصبر لأنه يجعلنا دائماً في معية الله . الله سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [ البقرة : 153 ] … ونحن نريد أن يكون الله سبحانه معنا دائماً … إن هذه الآية لا تجعل الإنسان ييأس مهما لقى في حركة حياته من المشقة .