Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 154-154)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق جل جلاله يعلم أن أحداث الإيمان وخصوم الإيمان سيواجهون المسلمين بمشقة عنيفة … لا تهددهم في أموالهم فقط ولكن تهددهم في نفوسهم ، فأراد الله عز وجل أن يعطي المؤمنين مناعة ضد هذه الأحداث … وأوصاهم بالصبر والصلاة يواجهون بها كل حدث يهزهم بعنف … قال لهم إن المسألة قد تصل إلى القتل … إلى الاستشهاد في سبيل الله . وأراد أن يطمئنهم بأن الشهادة هي أعلى مرتبة إيمانية يستطيع الإنسان المؤمن أن يصل إليها في الدنيا فقال سبحانه : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } [ البقرة : 154 ] . إن القتل هو أشد ما يمكن أن يقع على الإنسان … فأنت تصاب في مالك أو في ولدك أو في رزقك أو في صحتك ، أما أن تصاب في نفسك فتُقْتل فهذه هي المصيبة الكبرى … والله سبحانه سَمَّى الموتَ مصيبة واقرأ قوله تعالى : { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ … } [ المائدة : 106 ] . الله تبارك وتعالى أراد أن يفهم المؤمنون أن الذي يُقْتل في سبيل الله لا يموت … وإنما يعطيه الله لوناً جديداً من الحياة فيه من النعم ما لا يعد ولا يحصى . يقول جل جلاله : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [ البقرة : 154 ] . ما هو مظهر الحياة التي يعيشونها ؟ الحياة عندنا مظهرها الحركة ، والذي قُتِل في سبيل الله ما هي حركته ؟ حركته بالنسبة لغير المؤمنين خصوم الإسلام والإيمان بأنه لن يسلب منه الحياة … لأنه سيذهب إلى حياة أسعد ، والموت ينقله إلى خير مما هو يعيش فيه … فإذا كان الكفار قد قتلوه فهم لم يسلبوه شيئاً وإنما نقلوه إلى نعمة أكبر مما كان يعيش فيها … أما بالنسبة للمؤمنين فإنه سيحمي لهم منهج الله ليصل إليهم إلى أن تقوم الساعة . إن كل المعارك التي يستشهد فيها المؤمنون إنما هي سلسلة متصلة لحماية حركة الإيمان في الوجود … وعظمة الحياة ليست في أن أتحرك أنا ولكن أن اجعل مَن بعدي يتحرك … والمؤمن حين يستشهد يبقى أثره في الوجود لكل حركة من متحرك بعده … فكل حركة لحماية الإيمان تستشهد به وبما فعله وتأخذ من سلوكه الإيماني دافعاً لتقاتل وتستشهد . فكأن الحركة متصلة والعملية متصلة … أما الكافر فإن الحياة تنتهي عنده بالموت ، ولكن تنتظره حياة أخرى حينما يبعث الله الناس جميعاً ثم يأتي بالموت فيموت … وحين يموت الموت تصبح الحياة بلا موت إما في الجنة وإما في النار . الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم أن من يُقْتَل في سبيل الله هو حي عند ربه ينتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة مباشرة . . ولا يُكْتب عليه الموت في حياة البرزخ حتى يوم القيامة مثل من يموت ميتة طبيعية ولا يموت شهيداً … ولأن هذه الحياة حياة الشهداء أخفى الله سبحانه عنا تفاصيلها لأنها من حياة الآخرة … وهي غيب عنا قال تبارك وتعالى : { وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [ البقرة : 154 ] … وما دمنا لا نشعر بها فلابد أن تكون حياة أعلى من حياتنا الدنيوية . الذي استشهد في عرف الناس سلب نفسه الحياة ولكنه في عرف الله أخذ حياة جديدة … ونحن حين نفتح قبر أحد الشهداء نجد جسده كما هو فنقول إنه ميت أمامنا … لابد أن تتنبه أنك لحظة فتحت عليه انتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة والله سبحانه قال : { أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ } [ آل عمران : 169 ] ولم يقل أحياء في عالم الشهادة … فهو حي مادام في عالم الغيب ، ولكن أن تفتح وتكشف تجده جسداً في قبره لأنه انتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة … أما كيف ؟ قلنا إن الغيب ليس فيه كيف … لذلك لن تعرف وليس مطلوباً منك أن تعرف . إننا حين نجري عملية جراحية لمريض يعطيه الطبيب البنج لكي يفقده الوعي والحس ، ولكن لا يعطيه له ليموت ثم يبدأ يجري العملية فلا يشعر المريض بشيء من الألم . فالمادة لا تحس لأنها هي التي أجريت عليها العملية والجسد لا زال فيه الحياة من نبض وتنفس ولكنه لا يحس … ولكن النفس الواعية التي غابت هي التي تحس بالألم . أنت عندما يكون هناك ألم في جسدك وتنام ينقطع الإحساس بالألم ، فكأن الألم ليس مسألة عضوية ولكنه مرتبط بالوعي … فعند النوم تنتقل إلى عالم آخر قوانينه مختلفة … والعلماء فحصوا مخ الإنسان وهو نائم فوجدوا أنه لا يستطيع أن يعمل أكثر من سبع ثوان يرى فيها رؤيا يظل يحكيها ساعات … فإذا قال الحق تبارك وتعالى : " إنهم أحياء عند ربهم " … فلابد أن نأخذ هذه الحياة على أنها بقدرات الله ومن عنده … والله عز وجل أراد أن يقرب لنا مسألة البعث والقيامة مثل مسألة النوم . واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى … } [ الزمر : 42 ] . فكأن الحق جل جلاله يعطي الشهداء حياة دائمة خالدة لأنهم ماتوا في سبيله … وما دام تعالى قال : " لا تشعرون " فلا تحاول أن تدركها بشعورك وحسك لأنك لن تدركها على أن الشهيد لابد أن يُقْتَل في سبيل الله وليس لأي غرض دنيوي … وإنما لتكون كلمة الله هي العليا .