Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 156-156)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمصيبة هي الأمر الذي ينال الإنسان منه المشقة والألم ، وهي مأخوذة من إصابة الهدف . والمؤمن يستقبل المصيبة واثقاً أنها على قدر إيلامها يكون الثواب عليها ، ولذلك عندما فرح الكفار بما يصيب المسلمين في بعض المعارك ، أنزل الله ذلك القول الحق للمؤمنين : { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا … } [ التوبة : 51 ] . أي قولوا أيها المؤمنون لهؤلاء الحمقى من الكافرين : إنه لن يحدث لنا إلا ما كتبه الله . وعندما نتأمل قوله الحق : { إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا … } [ التوبة : 51 ] أي أن المسألة ستكون لحسابنا ، وسنأخذ عليها حسن الثواب من الله ، ولم يقل الحق : كتب الله علينا ، لأنها لو كانت كذلك لكان معناها أنها جزاء وعقاب من الله . وأي أمر يصيب الإنسان ، إما أن يكون له دخل فيه ، وعند ذلك لا يصح أن يجزع لأنه هو الذي جاء بالأمر المؤلم لنفسه ، وإما أن تكون مصيبة لا دخل له بها ، وحدثت له من غيره مثلاً ، وعند ذلك عليه أن يبحث عن سببها : أعدلاً أم ظلماً ؟ إن كانت عدلاً فهي قد جبرت الذنب ، وإن كانت ظلماً فسوف يقتص الله له ممَّن ظلمه ، وعلى هذا فالمؤمن في كلتا الحالتين رابح . إذن فالمؤمن يستقبل كل مصيبة متوقعاً أن يأتي له منها خير . وعلى كل مؤمن أن يُقَيِّم نفسه تقييماً حقيقياً ، " هل لي على الله حق ؟ أنا مملوك لله وليس لي حق عنده ، فما يجريه عليَّ فهو يجريه في ملكه هو " . ومَنْ لا يعجبه ذلك فلْيتأَبَّ على أي مصيبة ويقول لها : " لا تصيبيني " ، ولن تستطيع درء أي مصيبة - وما دمنا لا نستطيع أن نمنع وقوع المصائب والأحداث ، فلنقبلها - كمؤمنين - لأن الحق سبحانه وتعالى يريد بنسبتنا إليه أن يعزنا ويكرمنا . إنه يدعونا أن نقول : { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ] . إننا بهذا القول ننسب ملكيتنا إلى الله ونقبل ما حدث لنا . ولابد لنا هنا أن نأتي بمثال - ولله المثل الأعلى - هل رأيت إنساناً يفسد ملكه ؟ أبداً . إن صاحب الملك يعمل كل ما يؤدي إلى الصلاح في ملكه ، وإن رأى الناس في ظاهر الأمر أنه فساد ، فما بالنا بالله سبحانه وتعالى ونحن ملك له ، وهو سبحانه لا يُعرِّض ملكه أبداً للضرر ، وإنما يقيمه على الحكمة والصلاح . { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ] أي نحن مملوكون لله ، ونحن راجعون إليه ، وحتى إن كان في مصائب الدنيا ظلم لنا وقع علينا من إنسان ، فسوف نأخذ ثواب ما ظُلمنا فيه عند الرجوع إلى الله ، إذن فنحن لله ابتداء بالملكية ، ونحن لله نهاية في المرجع وهو سبحانه ملك القوسين الابتداء والانتهاء ، ولذلك علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أي مصيبة تصيب الإنسان أن يسترجع أي أن يقول : { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ] . وزادنا أيضاً أن نقول : " اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها " إنك إذا ما قلتها عند أي مصيبة تصيبك فلا بد أن تجد فيما يأتي بعدها خيراً منها ، وحتى إن نسي الإنسان أن يقول ذلك عند وقوع المصيبة ، ثم تذكرها وقالها فله جزاؤها ، كأنه قالها ساعة المصيبة . وهناك قصة عن أم سلمة رضي الله عنها حين مات أبو سلمة زوجها - وكان ملء السمع والبصر - وجزعت عليه أم سلمة ، فقيل لها قولي : ما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وما علَّمكم ؟ قالوا : " إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها " فقالت ما قيل لها ، فإذا بها بعد انقضاء عدتها يذهب إليها النبي خاطباً ، فقيل لها : أوجد خير من أبي سلمة أم لم يوجد ؟ قالت : ما كنت لأتسامى - أي أتوقع - مثل هذا الموقف " . فإذن ، كل مصيبة يتعرض لها الإنسان يجب أن يقول عندها : " إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها " . وماذا يكون حال الذين يقولون هذا الدعاء ؟ . ها هو ذا الحق سبحانه وتعالى يقول : { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ … } .