Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 173-173)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونجد أن استخدام " الموت " يأتي في كلمات مُنَوَّعة ، ففيه : " مَيِّت " و " مَيْتَة " ، و " ميّتة " ومثال ذلك ما يقوله الحق : { فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ … } [ فاطر : 9 ] . و " الميّت " بتشديد الياء هو مَنْ ينتهي أمره إلى الموت وإن كان حياً ، فكل واحد منا يقال له أنت ميّت ، أي مصيره إلى الموت ، ولذلك يخاطب الله رسوله : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] . إذن فكلمة " مَيّت " معناها أنك ستموت ، رغم أنك الآن حي . لكن عندما نقول : " مَيْت " ، بتسكين الياء ، فمعناها مات بالفعل ، وفي الشعر العربي جاء : @ وما الميْت إلا مَنْ إلى القبر يُحمل @@ والحق سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ } [ البقرة : 173 ] ، ولو قال : " الميِّتة " بتشديد الياء ، لقلنا : إن كل شيء سيموت يصير محرما ، لكن كلام الله هنا الميْتة - بالياء الساكنة - وهي الميتة بالفعل ، وهي التي خرجت روحها حتفاً لأنَّه فيه خروج الروح إزهاقاً بمعنى أن تذبحه فيموت لكن هناك مخلوقات تموت حتف أنفها ، وساعة تموت الحيوانات حتف أنفها تُحتبس فيها خلاصة الأغذية التي تناولتها وهي الموجودة بالدم وهذا الدم فيه أشياء ضارة كثيرة ، ففي الدم مواد ضارة فاسدة استخلصتها أجهزة الجسم وهو حي ، وكانت في طريقها إلى الخروج منه ، فإذا ما ذبحناه سال كل الدم الفاسد والسليم ، ولأن درء المفسدة مقدمة على جلب المصلحة ، فإننا نضحي بالدم السليم مع الدم الفاسد . وهذا الدم يختزنه الجسم عندما يموت ، وتظل بداخله الأشياء الضارة فيصبح اللحم مملوءاً بالمواد الضارة التي تصيب الإنسان بالأمراض . ونظرة بسيطة إلى دجاجتين ، إحداهما مذبوحة أريق دمها ، والأخرى منخنقة أي لم يرق دمها ، فإننا نجد اختلافا ظاهراً في اللون ، حتى لو قمنا بطهي هذه وتلك فسنجد اختلافاً في الطعم ، سنجد طعم الدجاجة المذبوحة مقبولاً ، وسنجد طعم الدجاجة الميتة غير مقبول ، وكان الذين لا يؤمنون بإله أو بمنهج يقومون بذبح الحيوانات قبل أكلها ، لماذا ؟ لقد هدتهم تجاربهم إلى أن هذه عملية فيها مصلحة ، وإن لم يعرفوا طريقة الذبح الإسلامية . وحين يحرم الله { ٱلْمَيْتَةَ } فليس هناك أحد منا مطالب أن يجيب عن الله لماذا حرم الميتة ؟ ، لأنه يكفينا أن الله قال : إنها حرام ، وما دام الذي رزقك قال لك : لا تأكل هذه فقد أخرجها من رزقيه النفعية المباشرة ، ولو لم يكن فيها ضرر نعلمه ، هو سبحانه قد قال : لا تأكلها ، فلا تأكلها ، لأنه هو الذي رزق ، وهو الذي خلقك ، وهو الذي يأمرك بألا تأكلها ، فليس من حقك بعد ذلك أن تسأل لماذا حرمها علي ؟ . وهب أننا لم نهتد إلى حكمة التحريم ، ولم نعرف الأذى الذي يصيب الإنسان من أكل الميتة ؟ هل كان الناس يقفون عند الأمر حتى تبدو علته ، أم كانوا ينفذون أوامر الله بلا تفكير ؟ لقد استمع المؤمنون لأوامر الحق ونفذوها دون تردد . إذن ، فما دام الله يخاطبنا ، فبمقتضى حيثية الإيمان يجب أن نتقبل عنه الحكم ، وعلة قبول الحكم هي صدوره من الذي حكم . أما أن نعرف علة الحكم ، فهذه عملية إيناس للعقل ، وتطمين على أن الله لم يكلفنا بأمر إلا وفيه نفع لنا ، والمؤمن لا يصح أن يجعل إيمانه رهناً بمعرفة العلة . إن الحق يقول : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ } [ البقرة : 173 ] والآية صريحة في أن كل ميتة حرام ، وما دامت ميتة فقد كان فيها حياة وروح ثم خرجت ، لكننا نأكل السمك وهو ميت ، وذلك تخصيص من السّنة لعموم القرآن ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أحل لكم ميتتان : السمك والجراد ، ودمان الكبد والطحال " . لماذا هذا الاستثناء في التحليل ؟ لأن للعرف في تحديد ألفاظ الشارع مدخلاً ، فإذا حلفت ألا تأكل لحماً وأكلت سمكاً فهل تحنث ؟ . لا تحنث ، ويمينك صادقة رغم أن الله وصف السمك بأنه لحم طريٌّ ، إلا أن العرف ساعة يُطلق اللحم لم يدخل فيه السمك . إذن ، فالعرف له اعتبار ، لذلك فالزمخشري صاحب الكشاف يقول في هذه المسألة : " لو حلفت ألا تأكل اللحم وأكلت السمك فإجماع العلماء على أنك لم تحنث في يمينك " . وضرب مثلاً آخر فقال : لو حلفت بأن تركب دابة ، والكافر قد أسماه الله دابة فقال : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنفال : 55 ] فهل يجوز ركوب الكافر ؟ . لا يجوز فكان مقتضى الآية أنه يصح لك أن تركبه وعلق على ذلك قائلاً : صحيح أن الدابة هي كل ما يدب على الأرض ، إلا أن العرف خصها بذوات الأربع . لهذا كان للعرف مدخل في مسائل التحليل والتحريم . فإذا قال قائل : إن الله حرم الميتة ، والسمك والجراد ميتة فلماذا نأكلها ؟ . نرد عليه : إن العرف جرى على أن السمك والجراد ليسا لحماً ، بدليل قولهم : " إذا كثر الجراد أرخص اللحم " ، وذلك يعني أن الجراد ليس من اللحم . أما بالنسبة للسمك ، فالسمك لم يكن كالميتة التي حرمها الله لأن الميتة المحرمة هي كل ما يذبح ويسيل دمه ، والسمك لا نفس سائلة له أي لا دم له . والجراد أيضاً لا دم فيه ، إذن ، فتحليل أكله وهو ميت إنما جاء بسبب عدم وجود نفس سائلة يترتب عليها انتقال ما يضر من داخله إلى الإنسان ، وكذلك الكبد والطحال أيضاً ليسا بدم فالدم له سيولة ، والكبد والطحال لحم متجمد متماسك ، خلاصة دم تكّون منه عضو الكبد وعضو الطحال . إذن ، السنة لها دور بيان في التحليل والتحريم ، وقوله الحق : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ } [ البقرة : 173 ] يعني أنه سبحانه قد حرمها لأجل بقاء الدم في الميتة وعدم سيلانه ، ومن باب أولى كان تحريم الدم أمراً واجباً . وحرم الحق " لحم الخنزير " وقلنا إن علة الإقبال على الحكم هو أمر الله به ، فإذا أثبت الزمن صدق القضية الإيمانية في التحليل فذلك موضوع يؤكد عملية الإيمان ، لكن لو انتظرنا وأجلنا تنفيذ حكم الله حتى نتأكد من علة التحريم لكُنّا نؤمن بالعلماء والاكتشافات العلمية قبل أن نؤمن بالله . لأننا إن انتظرنا حتى يقول العلماء كلمتهم فقد اعتبرنا العلماء آمن علينا من الله . وهل يوجد مخلوق آمن على مخلوق من الخالق ؟ . إن ذلك مستحيل . إذن فالمؤمن مَنْ يأخذ كل حكم صادر من الله ، وهو متيقن أن الله لا يأمره إلا بشيء نافع له ، وفي الحقيقة فالشيء الضار غير ضار في ذاته ، فقد ينفع في أشياء أخرى . ونضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - فأنت ساعة تعاقب ابنك بأمر من الأمور ، فتحرمه من المصروف أو تحرمه من أكلة شهية ، فإن ذلك العقاب ليس ضاراً في ذاته ، إنما إغراقك إياه بما يحب ويطلب ، مع سيره في طريق لا ترتضيه ، هو دعوة للابن أن يستمر في فعل ما لا ترتضيه . إن عدم تربية الابن بالثواب والعقاب هو أمر ضار . ولذلك نقول للذين يريدون أن يوجدوا علة لكل مُحَرَّم : أنتم لم تفطنوا إلى تحريم التأديب ، فهناك تحريم الأمر لأنه ضار ، وهناك تحريم لأمر آخر لأنك تريد أن تحرمه تأديباً له ، وأنت لا يصح منك أن تجعل عملية التأديب في القيم دون عملية الإصلاح في المادة البدنية . والحق سبحانه وتعالى أرحم بخلقه من الأب بابنه ، وهو قد حرم بعضاً من طيبات الحياة على بني إسرائيل للتأديب ، فقال عز وجل : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ … } [ النساء : 160 ] . فالحق حرم عليهم الطيبات كتأديب لهم على ظلمهم لأنفسهم . إذن ، ساعة ترى تحريماً فلا تنظر إلى تحريم الشيء الضار ، لكن انظر أيضاً إلى أن هناك تحريماً من أجل التأديب ، لأن إباحة بعض من الطيبات لهؤلاء مع كونهم مخالفين للمنهج هو إغراء لهم بأن يكونوا مخالفين دائماً ، ظالمين لأنفسهم . فالحق قد منع ما يضر الإنسان في بدنه ، ومنع أيضاً بعضاً من الطيبات على بعض المخالفين كتأديب لهم . وبالنسبة لتحريم الخنزير ، فقد شاءت إرادة الله عز وجل أن يكشف لخلقه سر التحريم ، فأثبت العلماء أن هناك أمراضاً في الخنزير لم تكن معروفة قبل ذلك ، وتبين لهم خطورتها مثل الدودة الشريطية ، وإِذا كان الحق سبحانه وتعالى قد كشف لهم سراً واحداً هو الدودة الشريطية ، فربما هنا أسرار أخرى أخطر من الدودة الشريطية . ويحرم الحق أيضاً { وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 173 ] والإهلال هو رفع الصوت ، ولذلك يقال : هلل أي رفع صوته بلا إله إلا الله ، ويُسمى الهلال هلالاً لأننا ساعة نراه نهلل ونقول : " الله أكبر ، ربي وربك الله " وساعة يولد الولد ، ويخرج من بطن أمه يتنبه إلى حياته وإلى ذاتية وجوده بعد أن كان ملتحماً بذاتية أمه فهو يصرخ ، إنه يبدأ حياته بالصراخ ، ولذلك فالذين ينتظرون مولد الطفل عندما يستمعون لصرخته يطمئنون . ولذلك يقول الشاعر : @ لما تـؤذن الدنيا بـه مـن صـروفـها يـكـون بـكـاء الطـفل سـاعة يـولد @@ كأن الوليد يقبل على شيء فيه نكد ، ولا يلتفت إلى ما في اتساع الدنيا ورغد العيش فيها . وإلا فما يبكيه وإنها لأوسع ما كان فيه وأرغد ؟ . فكأن صرخة الوليد هي صرخة الانتقال من رحم الأم إلى مواجهة الحياة . كانت حياة الطفل في بطن أمه رتيبة وغذاؤه من الحبل السري ، لكنه ساعة ينفصل عن أمه تنقطع صلته بجهاز تحضير الغذاء في رحم الأم ، وفقد المدد الغذائي في لحظة خروجه من بطن أمه ولم يأته مدد الرضاعة بعد فالرضاعة من مدد الدنيا ، ولا يأخذها الطفل إلا إذا أخذ أقل نسبة من الهواء ليدير الرئة ، ولذلك يحرص الأطباء في أن ينزل الوليد من جهة رأسه دائماً ، لأنه لو نزل من ناحية رجليه ورأسه ما زال بالداخل ، فإن أنفاسه تكون محبوسة في بطن أمه ، ويكاد يموت ، ولذلك يكشفون الآن على الأم ليعرفوا وضع الجنين ، ويقوم الطبيب بإجراء الجراحة القيصرية حرصاً على حياة الوليد ، وأول شيء يقوم به الطبيب بعد ميلاد الطفل هو أن يُسلك منافذ الهواء إلى أنفه ، وبعد ذلك يعالج بقية الأعضاء . إنها صرخة الغريزة ، تماماً مثل ما تسهو أُمه عنه وجاء موعد رضعته فهو يصرخ وهكذا نعرف أن الإهلال هو رفع الصوت ، وقوله الحق : { وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 173 ] يعني هو رفع الصوت لحظة الذبح ، والذبح نوعان : ذبح لنفعك لتأكل ويأكل غيرك ، وذبح قربى لله . وما أهل به لله ، هو ذبح قربى لله ، أما { وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 173 ] فهو الذبح لمنفعة الإنسان فقط ، وتقرباً إلى أصنامهم وأوثانهم وما يعبدونه من دون الله . وما دام الله هو الذي أعطى الحيوانات وسخرها لنا من أجل أن نأكلها فعلينا أن نذكر المنعم ، وأن تكون القربى لله وحده هي القصد الأول . ولذلك فالمؤمنون يتقربون ويأكلون ، أما الكفار فيأكلون ولا يتقربون لله وإنما يذبحون ويتقربون إلى آلهتهم . والحق سبحانه وتعالى حينما شرع ، فتشريعه يضع الاحتمالات ، وليس كالمشرعين من البشر الذين تضطرهم أحداث الحياة بعد التشريع إلى أن يغيروا ما شرعوا لأنه حدثت أقضية بعد تطبيق التشريع لم تكن في بالهم ساعة شرعوا ، وذلك لقصور علمهم عما يحدث في الكون من القضايا التي تضطرهم وتلجئهم إلى أن يعدلوا القانون . فتعديل أي قانون بشري معناه حدوث أقضية لا يوجد لها تكييف في القانون عند التطبيق فيلجأ المشرعون إلى تعديل القانون ، ليضعوا فيه ما يتسع لهذه الأقضية . ولكن الحق سبحانه وتعالى ساعة قنن … فهو يقنن تقنيناً يحمل في طياته كل ما يمكن أن يستجد من أقضية دون حاجة إلى تعديل ، ولأن الإسلام جاء منهاجاً خاتماً ولا منهج للسماء بعده ، لذلك كان متضمناً كافة الاحتمالات . لقد كان من المعقول تعديل التقنينات عندما كانت الرسل تتوالى ، لكن عندما ختم الله رسالات السماء بمحمد صلى الله عليه وسلم ، كان لابد أن تكون التشريعات التي أنزلها الله على رسوله تحمل في ذاتها ضمانات تكفل ذلك . إذن ، فالضرورات التي اقتضت المشرع الوضعي أن يعدل قانوناً غفل عن جزئياته ساعة وضعه الأول ، مثل هذه الأمور لا توجد في تشريعات السماء ، لأن الله يعلم الأقضية التي تجئ . وهب أن الضرورة التي تستلزم التعديل لم تكن موجودة ، وبعد ذلك جدت ضرورات ، أكان الحق يميت خلقه لأنه قال : لا تأكلوا الميتة ؟ عندئذ كنا سنقول : ما هذه الحكاية ؟ صحيح الميتة ستضر ، وإنما المخمصة والمجاعة ستميت ، فلماذا لا نتحمل أكل ما يضر بدلاً من أن نمتنع عن الأكل فنموت من الجوع ؟ إذن فهي عدالة الحق التي قالت : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 173 ] فالاضطرار له شرط هو : " غير باغ ولا عاد " . وغير باغ يعني غير متجاوز الحد ، فيأخذ على قدر حاجته الضرورية ، مثلاً ، لا يقول : إن الله أحل الميتة لمثل ما أنا عليه من الاضطرار ويملأ بطنه منها ، لا ، إن عليه أن يأخذ على قدر استبقاء الحياة . ولا يظن أن ذلك يصبح حلالاً ، بل يقول : إن هذا حرام أبيح للاضطرار . وأيضا لابد أن نلحظ قيمة الحقوق المتعلقة بالآخرين ، هب أن إنساناً يملك فنجان ماء لا يكفيه إلا ليروي حلقه ، وبعد ذلك جاء شخص آخر مضطر وقوي وضربه ليأخذ منه هذا الفنجان . نقول لهذا المعتدي : لا تعتد لأن للملكية سبقاً ، فإن اتسعت لكما كمية الماء معاً فأهلاً وسهلاً ، وإن لم تتسع ، فصاحب الملكية أولى بالماء ، ولا يقولن هذا الآخر : " أنا مضطر لأن آخذها منه " . إن اضطراره سيدفع عنه المضرة ويوقعها في غيره . إذن ، فالمقاييس عند الضرورة تظل كما هي ، فلابد من احترام الحق والسبق ، ولا يصح أن نتجاوز بالضرورة قدرها ، هذا معنى قوله : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 173 ] ، وقوله الحق : { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 173 ] يدل على أن المسألة فيها إثم أباحها الله عز وجل للضرورة وذلك حتى لا نحلها تحليلاً دائماً ، فإذا ما زالت الضرورة عُدنا إلى أصل الحكم . ويختم الحق الآية بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 173 ] ونتساءل : ما علاقة " غفور رحيم " بهذه الآية إن المغفرة والرحمة تقتضيان ذنوباً ، وما سبق كله هو قول الحق وتشريعه ، وتحريم الميتة إلا عند الضرورة هو كلام الحق ، والمضطر حين يأخذ منها على قدر الضرورة فإنما هو إباحة من الحق ، فلا ذنب - إذن - يقتضي تذييل الآية بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 173 ] ؟ . ونقول : إذا كان الله يغفر مع الذنب ، أفلا يغفر مع الضرورة التي شرع لها الحكم ، إن المنطق يقول : إن الله يغفر الذنب الذي يحدث بلا مناسبة تستدعيه ، أفلا يغفر للمضطر الذي أجبرته الظروف على أكل الميتة ؟ . إن الله غفور في الأصل أفلا يغفر لمن أعطاه رخصة ؟ إذن فهو غفور رحيم ، ولن يكتب على المضطر ذنباً من جراء اضطراره . إن رحمة الله التي تغفر للعاصي الذي اجترأ على الحق بلا مناسبة ، هو سبحانه الذي كتب المغفرة لمن اضطر وكسر قاعدة التحريم عند الاضطرار . ويقول الحق بعد ذلك : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي … } .