Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 175-175)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر الله لنا حيثية الحكم عليهم ولماذا لا يكلمهم ولماذا لا يزكيهم ، ولماذا يكون لهم في الآخرة عذاب أليم ؟ إنّهم قد بدلوا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة . وعندما ترى فظاعة العقاب فلا تستهوله ، ولكن انظر إلى فظاعة الجُرم . إن الناس حين يفصلون الجريمة عن العقاب فهم يعطفون على المجرم لأنهم لا يرون المجرم إلا حالة عقابه ومحاكمته ونسوا جريمته ، ولذلك فساعة ترى عقوبة ما وتستفظعها فعليك استحضار الجرم الذي أوجب تلك العقوبة . ولذلك نجد الناس غالباً ما يعطفون على كل المجرمين الذين يحاكمون وتصدر عليهم عقوبات صارمة ، لأن الجريمة مرَّ عليها وقت طويل ، ولم نرها ، وآثارها وتبعاتها انتهت . ولم يبق إلا المجرم فيعطفون عليه ، ولذلك فمن الخطأ أن تطول الإجراءات في المحاكمات ، بل لابد من محاكمة المجرم من فور وقوع الجريمة وهي ساخنة حتى لا يعطف عليه الجمهور ، لأن تعطيف قلب الجمهور عليه يجعل العقوبة قاسية . { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [ البقرة : 175 ] ونعرف أن " الباء " تدخل على المتروك ، فالضلالة هنا أُخِذَتْ وترك الهدى ، واستبدلوا العذاب بالمغفرة ، وما داموا قد أخذوا الضلالة بدلاً من الهدى ، والعذاب بدلاً من المغفرة ، فالعدالة أن يأخذوا العذاب الأليم . وبعد ذلك يقول الحق : { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ البقرة : 175 ] هذا تبشيع للعقاب حتى يُنَِّفر منه الناس . ويريد منا الله أن نتعجب ، كيف يجوز للضال أن يترك الهدى ويأخذ الضلال ، وبعد ذلك تكون النتيجة أن يأخذ العذاب ويترك المغفرة . فما الذي يعطيه الأمل في أن يصبر على النار ؟ ، هل عنده صبر إلى هذا الحد يجعله يقبل على الذنب الذي يدفعه إلى النار ؟ . وما الذي جعله يصبر على هذا العذاب ؟ أعنده قوة تُصَبِّره على النار ؟ وما هذه القوة ؟ . وكأن الحق يقول : أنت غير مدرك لما ينتظرك من الجزاء وإلاَّ ما الذي يصبرك على هذه النار ؟ إنك تتمادى في طغيانك وضلالك ، وتنسى أن النار ستكون من نصيبك فإذا كنت متيقناً أن النار من نصيبك فكيف أخذت أماناً من صبرك على النار . فالنار أمر لا يصبر عليه إنسان أبداً . ويقول الحق بعد ذلك : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ … } .