Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 19-19)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقول الحق سبحانه وتعالى : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 19 ] … الصيب هو المطر … والله تبارك وتعالى ينزل الماء فتقوم به الحياة … مصداقاً لقوله جل جلاله : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ … } [ الأنبياء : 30 ] . ومن البديهي أننا نعرف أن إنزال المطر … هو من قدرة الله سبحانه وتعالى وحده … ذلك أن عملية المطر فيها خلق بحساب ، وفيها عمليات تتم كل يوم بحساب أيضاً ، وفيها عوامل لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى … فمسألة المطر أعِدَّت الأرض لها حين الخلق … فكانت ثلاثة أرباع الأرض من الماء والربع من اليابسة … لماذا ؟ من حِكَمِ الله في هذا الخلق أن تكون عملية البخر سهلة وممكنة … ذلك أنه كلما اتسع سطح الماء يكون البخر أسهل ، وإذا ضاق السطح تكون عملية البخر أصعب … فإذا جئنا بكوب مملوء بالماء ووضعناه في حجرة مغلقة يوماً … ثم عدنا إليه نجد أن حجم الماء نقص بمقدار سنتيمتر أو أقل ، فإذا أخذنا الماء الذي في هذا الكوب وقذفناه في الحجرة … فإنه يختفي في فترة قصيرة … لماذا ؟ لأن سطح الماء أصبح واسعاً فتمت عملية البخر بسرعة . والله سبحانه وتعالى حين خلق الأرض … وضع في الخلق حكمة المطر في أن تكون مساحة الماء واسعة لتتم عملية البخر بسهولة ، وجعل أشعة الشمس هي التي تقوم بعملية البخر من سطح الماء … وتم ذلك بحساب دقيق ، حتى لا تُغرق الأمطار الأرض أو يحدث فيها جفاف … ثم سخَّر الريح لتدفع السحاب إلى حيث يريد الله أن ينزل المطر ، وقمم الجبال الباردة ليصطدم بها السحاب فينزل المطر … كل هذا بحساب دقيق في الخلق وفي كل مراحل المطر … وما دام الماء هو الذي به الحياة على الأرض ، فقد ضرب الله لنا به المثل كما ضرب لنا المثل بالنار وضوئها … فكلها أمثلة مادية لتقرِّب إلى عقولنا ما هو غيب عنا ، فالماء يعطينا الحياة . لكن هؤلاء المنافقين لم يلتفتوا إلى هذا الخير ، الذي ينزل عليهم من السماء من غير تعب أو جهد منهم . بل التفتوا إلى أشياء ثانوية ، كان من المفروض أن يرحبوا بها لأنها مقدمات خير لهم . فالمطر قبل أن ينزل من السماء لا بد أن يكون هناك شيء من الظلمة في السحاب الذي يأتي بالمطر ، فيحجب أشعة الشمس إن كنا نهاراً ، ويخفي نور القمر والنجوم إن كنا ليلاً . هذه الظلمة مقدمات الخير والماء . إنهم لم يلتفتوا إلى الخير الذي ملأ الله به سبحانه وتعالى الأرض . بل التفتوا إلى الظلمة فنفروا من الخير … كذلك صوت الرعد ونور البرق . الرعد يستقبله الإنسان بالأذن وهي آلة السمع ، والبرق تستقبله العين ، وصوت الرعد قوي ، أقوى من طاقة الأذن . ولذلك عندما يسمعه الإنسان يفزع ، ويحاول أن يمنع استقبال الأذن له ، بأن يضع أنامله في أذنيه . وهؤلاء المنافقون لم يضعوا الأنامل ، ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم … } [ البقرة : 19 ] ولم يقل أناملهم . وذلك مبالغة في تصوير تأثير الرعد عليهم . فكأنهم من خوفهم وذعرهم يحاول كل واحد منهم أن يدخل كل أصبعه في أذنه ليحمي نفسه من هذا الصوت المخيف ، فكأنهم يبالغون في خوفهم من الرعد . ونلاحظ هنا أن الحديث ليس عن فرد واحد ، ولكن عن كثيرين … لأنه سبحانه وتعالى يقول { أَصَابِعَهُمْ … } [ البقرة : 19 ] نقول : إن الأمر لجماعة يعني أمراً لكل فرد فيها ، فإذا قال المدرس للتلاميذ : أخرجوا أقلامكم ، فمعنى ذلك أن كل تلميذ يخرج قلمه … وإذا قال رئيس الجماعة اركبوا سياراتكم ، فمعنى ذلك أن كل واحد يركب سيارته … لذلك فإن معنى { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم … } [ البقرة : 19 ] أن كل واحد منهم يضع أصبعه في أذنيه … لماذا يفعلون ذلك ؟ ! إنهم يفعلونه خوفاً من الموت لأن الرعد والبرق يصاحبهما الصواعق أحياناً ، ولذلك فإنهم من مبالغتهم في الخوف يحس كل واحد منهم بأن صاعقة ستقتله … فكأنهم يستقبلون نعمة الله سبحانه وتعالى بغير حقيقتها … وهم لا يرون النعمة الحقيقية في أن هذا المطر يأتي لهم بعوامل استمرار الحياة . ولكنهم يأخذون الظاهر في البرق والرعد . وكذلك المنافقون لا يستطيع الواحد منهم أن يصبر على شهوات نفسه ونزواتها … إنه يريد ذلك العاجل ولا ينظر إلى الخير الحقيقي الذي وعد الله به عباده المؤمنين في الآخرة … وهو ينظر إلى التكاليف كأنها شدة ومسألة تحمل النفس بعض المشاق . ويغفل عن حقيقة جزاء التكاليف في الآخرة ، وكيف أنها ستوفر لهم النعيم الدائم … تماماً كما ينظر الإنسان إلى المطر على أنه ظلمة ورعد وبرق ، وينسى أنه بدون هذا المطر من المستحيل أن تستمر حياته . هم يأخذون هذه الظواهر على أنها كل شيء . بينما هي في الحقيقة تأتي لوقت قصير وتختفي ، فهي قصيرة كالحياة الدنيا ، وقتية . ولكن نظرتهم إليها وقتية ومادية لأنهم لا يؤمنون إلا بالدنيا وغفلوا عن الآخرة … غفلوا عن ذلك الماء التي يبقى فترة طويلة ، وتنبهوا إلى تلك الظواهر الوقتية التي تأتي مع المطر فخافوا منها ، وكان خوفهم منها يجعلهم لا يحسون بما في المطر من خير . والمنافقون يريدون أن يأخذوا خير الإسلام دون أن يقوموا بواجبات هذا الدين ! ! ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى قضية مهمة ، وهي أن خوفهم من زوال متع الدنيا ونفوذها لن يفعل لهم شيئاً . لأن الله محيط بالكافرين … والإحاطة معناها السيطرة التامة على الشيء بحيث لا يكون أمامه وسيلة للإفلات ، وقدرة الله سبحانه وتعالى محيطة بالكافرين وغير الكافرين . إذن عدم التفاتهم للنفع الحقيقي ، وهو منهج الله ، لا يعطيهم قدرة الإفلات من قدرة الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة .