Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 20-20)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن البرق الذي هو وقتي وزمنه قليل . هو الذي يسترعي انتباههم ، ولو آمنوا لأضاء نور الإيمان والإسلام طريقهم . ولكن قلوبهم مملوءة بظلمات الكفر فلا يرون طريق النور ، والبرق يخطف أبصارهم ، أي : يأخذها دون إرادتهم . فالخطف يعني أن الذي يخطف لا ينتظر الإذن ، والذي يتم الخطف منه لا يملك القدرة على منع الخاطف ، والخطف غير الغصب . فالغصب أن تأخذ الشيء رغماً عن صاحبه . ولكن … ما الفرق بين الأخذ والخطف والغصب ؟ . الأخذ أن تطلب الشيء من صاحبه فيعطيه لك ، أو تستأذنه . أي : تأخذ الشيء بإذن صاحبه . والخطف أن تأخذه دون إرادة صاحبه ودون أن يستطيع منعك . والغصب أن تأخذ الشيء رغم إرادة صاحبه باستخدام القوة أو غير ذلك بحيث يصبح عاجزاً عن منعك من أخذ هذا الشيء . ولنضرب لذلك مثلاً - ولله المثل الأعلى - إذا دخل طفل على محل للحلوى وخطف قطعة منها ، يكون صاحب المحل لا قدرة له على الخاطف لأن الحدث فوق قدرات المخطوف منه ، فهو بعيد وغير متوقع للشيء ، فلا يستطيع منع الخطف … أما الغصب فهو أن يكون صاحب المحل متنبهاً ، ولكنه لا يملك القدرة على منع ما يحدث ، وإذا حاول أن يقاوم … فإن الذي سيأخذ الشيء رغماً عنه لابد أن يكون أقوى منه . أي أن قوة المُغْتَصِب ، تكون أقوى من المُغْتَصَب منه . وقوله تعالى : { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ … } [ البقرة : 20 ] . لابد أن نتنبه إلى قوله تعالى " يكاد " أي : يكاد أو يقترب البرق من أن يخطف أبصارهم . وليس للإنسان القدرة أن يمنع هذا البرق من أن يأخذ انتباه البصر . وقوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } [ البقرة : 20 ] . أي : أنهم يمشون على قدر النور الدنيوي ، الذي يعطيه لهم البرق ، فلا نور في قلوبهم . ولذلك إذا أظلم عليهم توقفوا ، لأنه لا نور لهم . وقوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } [ البقرة : 20 ] . يدَّعي بعض المستشرقين أن ذلك يتعارض مع الآية الكريمة التي تقول { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ البقرة : 18 ] كيف يكونون صماً بكماً عمياً … أي أن منافذ الإدراك عندهم لا تعمل ، ونحن هنا نتحدث عن العمى الإيماني ، ثم يقول تبارك وتعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } [ البقرة : 20 ] مع أنهم صم وبكم وعمي ؟ . نقول أن قول الحق سبحانه وتعالى : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ] أي : لا يرون آيات الله ويقين الإيمان ، ولا يسمعون آيات القرآن ويعقلونها … إذن : فوسائل إدراكهم للمعنويات تتعطل . ولكن وسائل إدراكهم بالنسبة للمحسات تبقى كما هي . فالمنافق الذي لا يؤمن بيوم القيامة ، لا يرى ذلك العذاب الذي ينتظره في الآخرة . ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن يذهب بسمعهم وأبصارهم - بالنسبة للأشياء المحسة - لاستطاع لأنه قادر على كل شيء ، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك . حتى لا يأتوا مجادلين في الآخرة ، من أنهم لو كان لهم بصر لرأوا آيات الله . ولو كان لهم سمع لتدبروا القرآن . فأبقى الله لهم أبصارهم وأسماعهم لتكون حجة عليهم ، بأن لهم بصراً ولكنهم انصرفوا عن آيات الله إلى الأشياء التي تأتيهم بفائدة عاجلة في الدنيا مهما جاءت بغضب الله . وأن لهم سمعاً يسمعون به كل شيء من خطط المؤامرات على الإسلام . وضرب الإيمان وغير ذلك . فإذا تليت عليهم آيات الله فأنهم لا يسمعونها . وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } [ محمد : 16 ] . أي أنهم يسمعون ولا يعقلون ولا يدخل النور إلى قلوبهم ، فكأنهم صُمٌّ عن آيات الله لا يسمعونها . والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا مثل المنافقين بأنهم لا يلتفتون إلى القيم الحقيقية في الحياة . ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط … يريدون النفع العاجل ، وظلمات قلوبهم لا تجعلهم يرون نور الإيمان . وإنما يبهرهم بريق الدنيا مع أنه زائل ووقتي . فيخطف أبصارهم . ولأنه لا نور في قلوبهم ، فإذا ذهبت عنهم الدنيا ، تحيط بهم الظلمات من كل مكان لأنهم لا يؤمنون بالآخرة . مع أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم ، لأنهم لا يستخدمونها الاستخدام الإيماني المطلوب والمفروض أن وسائل الإدراك هذه تزيدنا إيماناً ، ولكن هؤلاء لا يرون إلا متاع الدنيا ، ولا يسمعون إلا وسوسة الشيطان ، فالمهمة الإيمانية لوسائل الإدراك توقفت ، وكأن هذه الوسائل غير موجودة .