Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-21)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن حدثنا الله سبحانه وتعالى عن صفات المنافقين في ثلاث عشرة آية وأعطانا أوصافهم الظاهرة ، وأعطانا أمثلة لما يحدث في قلوبهم كي يعرفهم المؤمنون ظاهراً وباطناً ، ويحذروهم ولا يأمنوا لهم . بين لنا كيف أن المنافقين لم يكفروا بالله كإله فقط ، ويستروا وجوده ، ولكن كفروا به كرب والرب عطاؤه مكفول لكل مَنْ خلق : مؤمنهم وكافرهم ، فهو سبحانه وتعالى الذي استدعاهم للوجود وخلقهم . ولذلك فإنه سبحانه يضمن لهم رزقهم وحياتهم . والله سبحانه وتعالى لا يَحْرِمُ خلقاً من خلقه من عطاء ربوبيته في الدنيا . فالشمس تشرق على المؤمن والكافر ، والمطر ينزل على مَنْ قال لا إله إلا الله ومَنْ ستر وجوده تعالى ، والهواء يتنفس به ذلك الذي يقيم الصلاة والذي لم يركع ركعة في حياته ، والطعام يأكله الذي يحب الله والذي يكفر بنعم الله … ذلك أن هذه عطاءات ربوبية يعطيها الله تعالى لكل خلقه في الدنيا . أما عطاءات الألوهية ، فهي للمؤمنين في الدنيا والآخرة . فالله سبحانه وتعالى يلفت انتباه خلقه إلى أن عطاء الربوبية من الله سبحانه وتعالى لهم يكفي ليؤمنوا بالله ويعبدوه . والحق سبحانه وتعالى حينما يخاطب الناس في القرآن الكريم ، ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلابد أن يكون الخطاب للناس في كل زمان ومكان منذ نزول القرآن الكريم إلى يوم القيامة . وخطاب الله سبحانه وتعالى خاص بقضية الإيمان في القمة ، وهي الخضوع لإله واحد لا شريك له . وقوله تعالى { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [ البقرة : 21 ] معناه أن من مقتضيات العبادة . أن الله هو خالق الناس جميعاً . وليس في قضية الخلق كما قلنا شبهة لأنه لا أحد يستطيع أن يدَّعي أنه خلق نفسه ، أو خلق هذا الكون ، بل إن الحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم السببية المباشرة في وجودنا فالأب والأم هنا سبب في وجود الإنسان . فنجد الله سبحانه وتعالى يقول : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } [ الإسراء : 23 ] . وهكذا نرى أن الحق قد احترم السببية في الموجد ، مع أنه سبحانه وتعالى الموجِد الذي خلق كل شيء . ولكن الله يحترم عمل الإنسان . مع أنه سبب فقط ، فالمال هو مال الله ، يعطيه لمَنْ يشاء . لكننا نجد الحق سبحانه وتعالى وهو يحث على الصدقة يقول : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } [ البقرة : 245 ] . فكأنه سبحانه احترم عمل الإنسان في الحصول على المال ، رغم أن المال مال الله . فقال وهو الخالق الأعظم : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } [ البقرة : 245 ] وهكذا تتجلى رحمة الحق بالخلق . الله يقول : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 21 ] نتقي ماذا ؟ نتقي صفات الجلال في الله . فالله سبحانه وتعالى له صفات جلال وصفات جمال ، صفات الجلال هي " الجبار والقهار والمتكبر والقوي والقادر والمقتدر والضار " وغيرها من صفات الجلال . فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية حتى لا نغضب الله ، فيعاملنا بمتعلقات صفات جلاله ، وأن نتمسك بصفات جمال الله : الرحيم ، الودود ، الغفار ، التواب ، فإذا نجحنا في ذلك كان لنا نجاة من النار التي هي أحد جنود الله ، ومتعلقات جلاله . على أننا لابد أن نتنبه إلى أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول " يا أيها الناس " إنما يخاطب كل الناس ، فإذا أراد الحق سبحانه وتعالى مخاطبة المؤمنين قال : " يا أيها الذين آمنوا " أي يا أيها الذين آمنتم بالله إلهاً ، ودخلتم معه في عقد إيماني .