Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 229-229)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا يتحدث الحق سبحانه وتعالى عن الطلاق بعد أن تحدث عن المطلقة في عدتها وكيفية ردها ومراجعتها ، وإنه سبحانه يتحدث عن الطلاق في حد ذاته والطلاق مأخوذ من الانطلاق والتحرر ، فكأنه حل عقدة كانت موجودة وهي عقدة النكاح ، وعقدة النكاح هي العقدة التي جعلها الله عقداً مغلظاً وهي الميثاق الغليظ ، فقال تعالى : { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 21 ] . إنه ميثاق غليظ لأنه أباح للزوجين عورات الآخر ، في حين أنه لم يقل عن الإيمان إنه ميثاق غليظ ، قال عنه : " ميثاق " فقط ، فكأن ميثاق الزواج أغلظ من ميثاق الإيمان . والحق سبحانه يريد أن يربي في الناس حل المشكلات بأيسر الطرق . لذلك شرع لنا أن نحل عقدة النكاح ، ونهاية العقدة ليست كبدايتها ، ليست جذرية ، فبداية النكاح كانت أمراً جذرياً ، أخذناه بإيجاب وقبول وشهود وأنت حين تدخل في الأمر تدخله وأنت دارس لتبعاته وظروفه ، لكن الأمر في عملية الطلاق يختلف فالرجل لا يملك أغيار نفسه ، فربما يكون السبب فيها هيناً أو لشيء كان يمكن أن يمر بغير الطلاق فيشاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل للناس أناة وروية في حل العقدة فقال : { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } [ البقرة : 229 ] يعني مرة ومرة ، ولقائل أن يقول : كيف يكون مرتين ، ونحن نقول ثلاثة ؟ وقد سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال يا رسول الله قال الله تعالى : { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } [ البقرة : 229 ] فلم صار ثلاثاً ؟ فقال صلى الله عليه وسلم مبتسماً : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 229 ] . فكأن معنى { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } [ البقرة : 229 ] ، أي أن لك في مجال اختيارك طلقتين للمرأة ، إنما الثالثة ليست لك ، لماذا ؟ لأنها من بعد ذلك ستكون هناك بينونة كبرى ولن تصبح مسألة عودتها إليك من حقك ، وإنما هذه المرأة قد أصبحت من حق رجل آخر … { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } [ البقرة : 230 ] . أما قول الرجل لزوجته أنت " طالق ثلاثاً " يُعتبر ثلاث طلقات أم لا ؟ نقول : إن الزمن شرط أساسي في وقوع الطلاق ، يطلق الرجل زوجته مرة ، ثم تمضي فترة من الزمن ، ويطلقها مرة أخرى فتصبح طلقة ثانية ، وتمضي أيضاً فترة من الزمن وبعد ذلك نصل لقوله : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 229 ] ولذلك فالآية نصها واضح وصريح في أن الطلاق بالثلاث في لفظ واحد لا يوقع ثلاث طلقات ، وإنما هي طلقة واحدة ، صحيح أن سيدنا عمر رضي الله عنه جعلها ثلاث طلقات لأن الناس استسهلوا المسألة ، فرأى أن يشدد عليهم ليكفوا ، لكنهم لم يكفوا ، وبذلك نعود لأصل التشريع كما جاء في القرآن وهو { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } [ البقرة : 229 ] . وحكمة توزيع الطلاق على المرات الثلاث لا في العبارة الواحدة ، أن الحق سبحانه يعطي فرصة للتراجع . وإعطاء الفرصة لا يأتي في نفس واحد وفي جلسة واحدة . إن الرجل الذي يقول لزوجته : أنت طالق ثلاثاً لم يأخذ الفرصة ليراجع نفسه ولو اعتبرنا قولته هذه ثلاث طلقات لتهدمت الحياة الزوجية بكلمة . ولكن عظمة التشريع في أن الحق سبحانه وزع الطلاق على مرات حتى يراجع الإنسان نفسه ، فربما أخطأ في المرة الأولى ، فيمسك في المرة الثانية ويندم . وساعة تجد التشريع يوزع أمراً يجوز أن يحدث ويجوز ألا يحدث ، فلا بد من وجود فاصل زمني بين كل مرة . وبعض المتشدقين يريدون أن يبرروا للناس تهجمهم على منهج الله فيقولون : إن الله حكم بأن تعدد الزوجات لا يمكن أن يتم فقال : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ … } [ النساء : 129 ] . ويقولون : إنّ الله اشترط في التعدد العدل ، ثم حكم بأننا لن نستطيع أن نعدل بين الزوجات مهما حرصنا ، فكأنه رجع في التشريع ، هذا منطقهم . ونقول لهم : أكملوا قراءة الآية تفهموا المعنى ، إن الحق يقول : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [ النساء : 129 ] ثم فرع على النفي فقال : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } [ النساء : 129 ] . وما دام النفي قد فُرِّع عليه فقد انتفى ، فالأمر كما يقولون : نفي النفي إثبات . أن الاستطاعة ثابتة وباقية وكان قوله تعالى : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } [ النساء : 129 ] إشارة إليها . وكذلك الأمر هنا { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 229 ] . فما دام قد قال : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 229 ] وقال : { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } [ البقرة : 229 ] أي أن لكل فعل زمناً ، فذلك يتناسب مع حلقات التأديب والتهذيب ، وإلا فالطلاق الثلاث بكلمة واحدة في زمن واحد ، يكون عملية قسرية واحدة ، وليس فيها تأديب أو إصلاح أو تهذيب ، وفي هذه المسألة يقول الحق : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } [ البقرة : 229 ] لأن المفروض في الزوج أن يدفع المهر نظير استمتاعه بالبضع ، فإذا ما حدث الطلاق لا يحل للمطلق أن يأخذ من مهره شيئاً ، لكن الحق استثنى في المسألة فقال : { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } [ البقرة : 229 ] . فكأن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يجعل للمرأة مخرجاً إن أريد بها الضرر وهي لا تقبل هذا الضرر . فيأتي الحق ويشرح : ما دام قد خافا ألا يقيما حدود الله ، فقد أذن لها أن افتدي نفسك أيتها المرأة بشيء من مال ، ويكره أن يزيد على المهر إلاّ إذا كان ذلك ناشئاً عن نشوز منها ومخالفة للزوج فلا كراهة إذن في الزيادة على المهر . وقد جاء الواقع مطابقاً لما شرع الله عندما وقعت حادثة " جميلة " أخت " عبد الله ابن أبي " حينما كانت زوجة لعبد الله بن قيس ، فقد ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : " أنا لا أتهمه في دينه ولا خلقه ولكن لا أحب الكفر في الإسلام " وهي تقصد أنها عاشت معه وهي تبغضه ، لذلك لن تؤدي حقه وذلك هو كفر العشير أي إنكار حق الزوج وترك طاعته . وهي قد قالت : إنها لا تتهمه لا في دينه ولا في خلقه لتعبر بذلك عن معانٍ عاطفية أخرى ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم منها ذلك ، فقالت : لقد رفعت الخباء فوجدته في عدة رجال فرأيته أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً ، فقال لها صلى الله عليه وسلم : " " أتردين حديقته " ؟ فقالت : وإن شاء زدته ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا بالزيادة ، لكن رُدِّي عليه حديقته " . ويُسمى هذا الأمر بالخلع ، أي أن تخلع المرأة نفسها من زوجها الذي تخاف ألا تؤدي له حقاً من حقوق الزوجية ، إنها تخلع نفسها منه بمال حتى لا يصيبه ضرر ، فقد يريد أن يتزوج بأخرى وهو محتاج إلى ما قدم من مهر لَمْن تريد أن تخلع نفسها منه . ويتابع الحق سبحانه : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } [ البقرة : 229 ] وهذا الشيء هو الذي قال عنه الله في مكان آخر : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } [ النساء : 20 ] . ويتابع الحق الآية بقوله : { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 229 ] والمقصود هنا هما الزوجان ، ومن بعد ذلك تأتي مسئولية أولياء أمر الزوجين والمجتمع الذي يهمه أمرهما في قوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ البقرة : 229 ] . وحدود الله هي ما شرعه الله لعباده حداً مانعاً بين الحل والحرمة . وحدود الله إما أن ترد بعد المناهي ، وإما أن ترد بعد الأوامر ، فإن وردت بعد الأوامر فإنه يقول : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } [ البقرة : 229 ] أي آخر غايتكم هنا ، ولا تتعدوا الحد ، ولكن إن جاءت بعد النواهي يقول : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا } [ البقرة : 187 ] ، لأن الحق يريد أن يمنع النفس من تأثير المحرمات على النفس ، فتلح عليها أن تفعل ، فإن كنت بعيداً عنها فالأفضل أن تظل بعيداً . وانظر جيداً فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه " . وما دامت الحدود تشمل مناهي الله وتشمل أوامر الله فكل شيء مأمور به وكل شيء منهي عنه يجب أن يظل في مجاله من الفعل في " افعل " ومن النهي في " لا تفعل " . وإذا انتقل نظام افعل إلى دائرة لا تفعل وانتقل ما يدخل في دائرة " لا تفعل " إلى دائرة " افعل " ، هنا يختل نظام الكون ، وما دام نظام الكون أصابه الخلل فقد حدث الظلم فالظلم هو أن تنقل حق إنسان وتعطيه لإنسان آخر ، وتشريع الطلاق حد من حدود الله ، فإن حاولت أن تأتي بأمر لا يناسب ما أمر الله به في تنظيم اجتماعي فقد نقلت المأمور به إلى حيز المنهي عنه ، وبذلك تُحْدِثُ ظلماً . والحق سبحانه وتعالى حينما يعالج قضايا المجتمع يعالجها علاجاً يمنع وقوع المجتمع في الأمراض والآفات ، والبشر إن أحسنَّا الظن بهم في أنهم يشرعون للخير وللمصلحة ، فهم يشرعون على قدر علمهم بالأشياء ، لكننا لا نأمن أن يجهلوا شيئاً يحدث ولا يعرفوه ، فهم شرّعوا لِمَا عرفوا ، وإذا شرعوا وفوجئوا بأشياء لم يعرفوها ماذا يكون الموقف ؟ إن كانوا مخلصين بحق داسوا على كبرياء غرورهم التشريعي وقالوا : نُعَدِّل ما شرعنا ، وإن ظلوا في غلوائهم فمن الذي يشقى ؟ إن المجتمع هو الذي يشقى بعنادهم . والحق سبحانه وتعالى لا يتهم الناس جميعاً في أن منهم من لا يريد الخير ، ولكن هناك فرق بين أن تريد خيراً وألاَّ تقدر على الخير . أنت شرعت على قدر قدرتك وعلمك . ونعرف جميعاً أن شقاء التجارب في القوانين الاجتماعية النظرية تقع على المجتمع . ونعرف جيداً أن هناك فرقاً بين العلم التجريبي المعملي والكلام النظري الأهوائي فالعلم التجريبي يشقى به صاحب التجربة ، إن العَالِم يكد ويتعب في معمله وهو الذي يشقى ويضحي بوقته وبماله وبصحته ويعيش في ذهول عن كل شيء إلا تجربته التي هو بصددها ، فإذا ما انتهى إلى قضية اكتشافية فالذي يسعد باكتشافه هو المجتمع . لكن الأمر يختلف في الأشياء النظرية لأن الذي يشقى بأخطاء المقننين من البشر هو المجتمع ، إلى أن يجيء مُقَنن يعطف على المجتمع ويعدل خطأ من سبقه . أما الحق سبحانه وتعالى فقد جاءنا بتشريع يحمي البشر من الشقاء ، فالله - سبحانه - يتركنا في العالم المادي التجريبي أحراراً . ادخلوا المعمل وستنتهون إلى أشياء قد تتفقون عليها ، لكن إياكم واختلافات الأهواء لذلك تولى الله عز وجل تشريع ما تختلف فيه الأهواء ، حتى يضمن أن المجتمع لا يشقى بالخطأ من المشرعين ، لفترة من الزمن إلى أن يجيء مشرع آخر ويعدل للناس ما أخطأ فيه غيره . لذلك نجد في عالمنا المعاصر الكثير من القضايا النابعة من الهوى ، ويتمسك الناس فيها بأهوائهم ، ثم تضغط عليهم الأحداث ضغطاً لا يستطيعون بعدها أن يضعوا رءوسهم في الرمال ، بل لابد أن يواجهوها ، فإذا ما واجهوها فإنهم لا يجدون حلاً لها إلا بما شرعه الإسلام ، ونجد أنهم التقوا مع تشريعات الإسلام . إن بعضاً من الكارهين للإسلام يقولون : أنتم تقولون عن دينكم : إنه جاء ليظهر على كل الأديان ، مرة يقول القرآن : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ الفتح : 28 ] . ومرة يقول القرآن : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ * هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } [ الصف : 8 - 9 ] . ويستمر هؤلاء الكارهون للإسلام في قولهم ويضيفون : إن إسلامكم لم يظهر على الدين كله حتى الآن بدليل أن هناك الملايين لم يدخلوا الإسلام ؟ ونقول لهم : أوَ يظهر على الدين كله بأن يؤمن الناس بالإسلام جميعاً ، لا ، لو فطنوا على قول الله : " ولو كره الكافرون " لعلموا أن إظهار الإسلام على الدين لابد أن يلازمه وجود كافرين كارهين ، وما دام الإسلام موجوداً مع كافرين كارهين ، فهو لن يظهر كدين ، ولكنه يظهر عليهم - أي يغلبهم - كنظام يضطرون إليه ليحلوا مشكلات مجتمعاتهم الكافرة ، فسيأخذون من أنظمة وقوانين الإسلام وهم كارهون ، ولذلك نجدهم يستقون قوانينهم وإصلاحاتهم الاجتماعية من تعاليم الإسلام . ولو كانوا سيأخذونه كدين لما قال الحق : " ولو كره الكافرون " أو " ولو كره المشركون " لأنهم عندما يعتنقونه كدين فلن يبقى كاره أو مشرك . لكن حين يقول سبحانه : " ولو كره الكافرون " و " ولو كره المشركون " فذلك يعني : أن اطمئنوا يا من آمنتم بمحمد صلى الله عليه وسلم وأخذتم الإسلام ديناً ، إن تجارب الحياة ستأتي لتثبت لدى الجاحدين صدق دينكم ، وصدق الله في تقنينه لكم ، وسيضطر الكافرون والمشركون إلى كثير من قضايا إسلامكم ليأخذوها كنظام يحلون بها مشاكلهم رغم عنادهم وإصرارهم على أن يكونوا ضد الإسلام . وضربنا على ذلك مثلاً بما حدث في إيطاليا التي بها الفاتيكان قبلة الكاثوليك الروحية فقد اضطروا لأن يشرعوا قوانين تبيح الطلاق ، وحدث مثل ذلك في أسبانيا وغيرها من الدول . انظر كيف تراجعوا في مبادئ كانوا يعيبونها على الإسلام ! لقد اضطرتهم ظروف الحياة لأن يقننوا إباحة الطلاق تقنيناً بشرياً لا بتقنين إلهي . ومثل هذه الأحداث تبين لنا مدى ثقتنا في ديننا ، وأن مشكلات البشرية في بلاد الكفر والشرك لن يحلها إلا الإسلام ، فإن لم يأخذوه كدين فسيضطرون إلى أخذه كنظام . ومن شرف الإسلام ألا يأخذوه كدين لأنهم لو آمنوا به لكانت أفعالهم وقوانينهم تطبيقاً للإسلام من قوم مسلمين ، ولكن أن يظلوا كارهين للإسلام ثم يأخذوا من مبادئ الدين الذي يكرهونه ما يصلح مجتمعاتهم الفاسدة فذلك الفخر الأكبر للإسلام . إن هذا هو مفهوم قول الحق : " ولو كره الكافرون " و " ولو كره المشركون " وإذا ما جاء لك أحد في هذه المسألة فقل له : من شرف الإسلام أن يظل في الدنيا مشرك ، وأن يظل في الدنيا هؤلاء الكفار ثم يرغموا ليحلوا مسائل مجتمعاتهم بقضايا الإسلام ، والإسلام يفخر بأنه سبقهم منذ أربعة عشر قرناً إلى ما يلهثون وراءه الآن بعد مضي كل هذا الزمن . ويقول الحق بعد ذلك : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ … } .