Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 235-235)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و { عَرَّضْتُمْ } [ البقرة : 235 ] مأخوذة من التعريض . والتعريض : هو أن تدل على شيء لا بما يؤديه نصاً ، ولكن تعرض به تلميحاً . إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يجعل للعواطف تنفيساً من هذه الناحية ، والتنفيس ليس مجرد تعبير عن العاطفة ، ولكن رعاية للمصلحة ، فمن الجائز أنه لو حرّم التعريض لكان في ذلك ضياع فرصة الزواج للمرأة ، أو قد يفوت - هذا المنع - الفرصة على من يطلبها من الرجال لذلك يضع الحق القواعد التي تفرض على الرجل والمرأة معاً أدب الاحتياط ، وكأنه يقول لنا : أنا أمنعكم أن تخطبوا في العدة أو تقولوا كلاماً صريحاً وواضحاً فيها ، لكن لا مانع من التلميح من بعيد . مثلاً يثني الرجل على المرأة ويعدد محاسنها بكلام لا يعد خروجاً على آداب الإسلام مثل هذا الكلام هو تلميح وتعريض ، وفائدته أنه يعبر عما في نفس قائله تجاه المطلقة فتعرف رأيه فيها ، ولو لم يقل ذلك فربما سبقه أحد إليها وقطع عليه السبيل لإنفاذ ما في نفسه ، ومنعه من أن يتقدم لخطبتها بعد انتهاء العدة ، وقد يدفعه ذلك لأن يفكر تفكيراً آخر : للتعبير بأسلوب وشكل خاطئ . إذن فالتعريض له فائدة في أنه يُعرف المطلقة رأي فلان فيها حتى إن جاءها غيره لا توافق عليه مباشرة . وهكذا نرى قبساً من رحمة الله سبحانه وتعالى بنا ، بأن جعل العدة كمنطقة حرام تحمي المرأة ، وجعل التعريض فرصة للتعبير عن العاطفة التي تؤسس مصلحة من بعد ذلك . إن الحق يقول : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } [ البقرة : 235 ] والخطبة مأخوذة من مادة " الخاء " و " الطاء " و " الباء " وتدل على أمور تشترك في عدة معالم : منها خُطبة بضم الخاء ، ومنها خَطْب وهو الأمر العظيم ، ومنها المعنى الذي نحن بصدده وهو الخِطبة بكسر الخاء . وكل هذه المعالم تدل على أن هناك الأمر العظيم الذي يُعالج ، فالخطب أمر عظيم يهز الكيان ، وكذلك الخُطبة لا يلقيها الخطيب إلا في أمر ذي بال ، فيعظ المجتمع بأمر ضروري . والخِطبة كذلك أمر عظيم لأنه أمر فاصل بين حياتين : حياة الانطلاق ، وحياة التقيد بأسرة وبنظام . وكلها معان مشتركة في أمر ذي بال ، وأمر خطير . وهو سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } [ البقرة : 235 ] أي لا جناح عليكم أن وضعتم في أنفسكم أمراً يخفى على المرأة ، وللمسلم أن يكنن ويخفي في نفسه ما يشاء ، ولكن ما الذي يُدري ويعلم المطلقة أنها في بالك يا من أسررت أمرها في نفسك ؟ إنك لابد أن تلمح وأن تعرض بأسلوب يليق باحترام المرأة . ويقول الحق : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } [ البقرة : 235 ] ، إن الذي خلقك يعلم أنها ما دامت في بالك ، ومات زوجها عنها أو طلقها فقد أصبحت أملاً بالنسبة لك ، فلو أنه ضيق عليك لعوق عواطفك ، ولضاعت منك الفرصة لأن تتخذها زوجة من بعد ذلك ، ولهذا أباح الحقُّ التعريض حتى لا يقع أحدكم في المحظور وهو { لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } [ البقرة : 235 ] بأن تأخذوا عليهن العهد ألا يتزوجن غيركم ، أو يقول لها : تزوجيني . بل عليه أن يعرض ولا يفصح ولا يصرح . إن المواعدة في السر أمر منهي عنه ، لكن المسموح به هو التعريض بأدب ، { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ البقرة : 235 ] كأن يقول : " يا سعادة من ستكون له زوجة مثلك " . ومثل ذلك من الثناء الذي يُطرب المرأة . ونعلم جميعاً أن المرأة في مثل حال المطلقة أو المتوفى عنها زوجها تملك شفافية وألمعية تلتقط بها معنى الكلام ومراده . ويتابع الحق : { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } [ البقرة : 235 ] وهكذا نرى أن مجرد العزم الأكيد أمر نهى عنه . والعزم مقدم على الفعل فإذا نهى عنه كان النهي عن الفعل أقوى وأشد وأنهى ، فلك أن تنوى الزواج منها وتتوكل على الله ، لكن لا تجعله أمراً مفروغاً منه ، إلا بعد أن تتم عدتها ، فإن بلغ الكتاب أجله وانتهت عدتها فاعزموا عقدة النكاح . فكأن عقدة النكاح تمر بثلاث مراحل : المرحلة الأولى : وهي التعريض أي التلميح . والمرحلة الثانية : هي العزم الذي لا يصح ولا يستقيم أن يتم إلا بعد انتهاء فترة العدة . والمرحلة الثالثة : هي العقد . والمقصود بهذه المراحل أن يأخذ كل طرف فرصته للتفكير العميق في هذا الأمر الجاد ، فإن كان التفكير قد هدى إلى العزم فإن للإنسان أن يعقد بعد انتهاء العدة ، وإن كان التفكير قد اهتدى إلى الابتعاد وصرف النظر عن مثل هذا الأمر فللإنسان ما يريد . ويريد الحق من هذه المراحل أن يعطي الفرصة في التراجع إن اكتشف أحد الطرفين في الآخر أمرا لا يعجبه . وكل هذه الخطوات تدل على أن العقد لا يكون إلا بعزم ، فلا يوجد عقد دون عزم ، إن الحق يريد من المسلم ألا يقدم على عقدة النكاح إلا بعد عزم . والعزم معناه التصميم على أنك تريد الزواج بحق الزواج وبكل مسئولياته ، وبكل مهر الزواج ، ومشروعيته ، وإعفافه فالزواج بدون أرضية العزم مصيره الفشل . ومعنى العزم : أن تفكر في المسألة بعمق وروية في نفسك حتى تستقر على رأي أكيد ، ثم لك أن تقبل على الزواج على أنه أمر له ديمومة وبقاء لا مجرد شهوة طارئة ليس لها أرضية من عزيمة النفس عليها . ولذلك فإن الزواج القائم على غير رويّة ، والمعلق على أسباب مؤقتة كقضاء الشهوة لا يستمر ولا ينجح . ومثل ذلك زواج المتعة فالعلة في تحريم زواج المتعة أن المقدم عليه لا يريد به الاستمرار في الحياة الزوجية ، وما دام لا يقصد منه الديمومة فمعناه أنه هدف للمتعة الطارئة . والذين يبيحون زواج المتعة مصابون في تفكيرهم لأنهم يتناسون عنصر الإقبال بديمومة على الزواج ، فما الداعي لأن تقيد زواجك بمدة ؟ إن النكاح الأصيل لا يُقيد بمثل هذه المدة . وتأمل حمق هؤلاء لتعلم أن المسألة ليست مسألة زواج ، إنما المسألة هي تبرير زنى ، وإلا لماذا يشترط في زواج المتعة أن يتزوجها لمدة شهر أو أكثر ؟ إن الإنسان حين يشترط تقييد الزواج بمدة فذلك دليل على غباء تفكيره وسوء نيته لأن الزواج الأصيل هو الذي يدخل فيه بديمومة ، وقد ينهيه بعد ساعة إن وجد أن الأمر يستحق ذلك ، ولن يعترض أحد على مثل هذا السلوك ، فلماذا تقيد نفسك بمدة ؟ إن المتزوج للمتعة يستخدم الذكاء في غير محله ، قد يكون ذكياً في ناحية ولكنه قليل الفطنة في ناحية أخرى . إن على الإنسان أن يدخل على الزواج بعزيمة بعد تفكير عميق وروية ثم ينفذ العزم إلى عقد . حذار أن تضع في نفسك مثل هذا الزواج المربوط على مطامع وأهداف في نفسك كعدم الديمومة أو لهدف المتعة فقط ، فكل ما يفكر فيه بعض الناس من أطماع شهوانية ودنيوية هي أطماع زائلة . اصرف كل هذه الأفكار عنك لأنك إن أردت شيئاً غير الديمومة في الزواج ، وإرادة الإعفاف فالله سبحانه وتعالى يعلمه وسيرد تفكيرك نقمة عليك فاحذره . إن الله سبحانه لا يحذر الإنسان من شيء إلا إذا كان مما يغضبه سبحانه . لذلك يذيل الحق هذه الآية الكريمة بقوله : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [ البقرة : 235 ] . وهو سبحانه يعلم ضعف النفس البشرية وأنها قد تضعف في بعض الأحيان ، فإن كان قد حدث منها شيء فالله يعطيها الفرصة في أن يتوب صاحبها لأنه سبحانه هو الغفور الحليم . وبعد ذلك يقول الحق سبحانه : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً … } .