Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 245-245)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ساعة تسمع { يُقْرِضُ ٱللَّهَ } [ البقرة : 245 ] فذلك أمر عظيم لأنك عندما تقرض إنساناً فكأنك تقرض الله ، ولكن المسألة لا تكون واضحة ، لماذا ؟ لأن ذلك الإنسان سيستفيد استفادة مباشرة ، لكن عندما تنفق في سبيل الله فليس هناك إنسان بعينه تعطيه ، وإنما أنت تعطي المعنى العام في قضية التدين ، وتعاملك فيها يكون مع الله . كأنك تقرض الله حين تنفق من مالك لتعد نفسك للحرب . والحق سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا بكلمة القرض على أنه يطلب منا عملية ليست سهلة على النفس البشرية ، وهو سبحانه يعلم بما طبع عليه النفوس . والقرض في اللغة معناه قضم الشيء بالناب ، وهو سبحانه وتعالى يعلم أن عملية الإقراض هي مسألة صعبة ، وحتى يبين للناس أنه يعلم صعوبتها جاء بقوله : " يقرض " ، إنه المقدر لصعوبتها ، ويقدر الجزاء على قدر الصعوبة . { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] . وما هو القرض الحسن ؟ وهل إذا أقرضت عبداً من عباد الله لا يكون القرض حسناً ؟ أولاً إذا أقرضت عبداً من عباد الله فكأنك أقرضت الله ، صحيح أنت تعطي الإنسان ما ييسر له الفرج في موقف متأزم ، وصحيح أيضاً أنك في عملية الجهاد لا تعطي إنساناً بعينه وإنما تعطي الله مباشرة ، وهو سبحانه يبلغنا : أن من يقرض عبادي فكأنه أقرضني . كيف ؟ لأن الله هو الذي استدعى كل عبد له للوجود ، فإذا احتاج العبد فإن حاجته مطلوبة لرزقه في الدنيا ، فإذا أعطى العبد لأخيه المحتاج فكأنه يقرض الله المتكفل برزق ذلك المحتاج . وقوله تعالى : { يُقْرِضُ ٱللَّهَ } [ البقرة : 245 ] تدلنا على أن القرض لا يضيع لأن القرض شيء تخرجه من مالك على أمل أن تستعيده ، وهو سبحانه وتعالى يطمئنك على أنه هو الذي سيقترض منك ، وأنه سيرد ما اقترضه ، لكن ليس في صورة ما قدمت وإنما في صورة مستثمرة أضعافاً مضاعفة ، إن الأصل محفوظ ومستثمر ، ولذلك يقول : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } [ البقرة : 245 ] ، إنها أضعاف كثيرة بمقاييس الله عز وجل لا بمقاييسنا كبشر . والتعبير بالقرض الحسن هنا يدلنا على أن مصدر المال الذي تقرض منه لابد أن يكون من حلال ، ولذلك قيل للمرأة التي تتصدق من مال الزنا : " ليتها لم تزن ولم تتصدق " . وقيل : إن القرض ثوابه أعظم من الصدقة ، مع أن الصدقة يجود فيها الإنسان بالشيء كله ، في حين أن القرض هو دين يسترجعه صاحبه ، لأن الألم في إخراج الصدقة يكون لمرة واحدة ، فأنت تخرجها وتفقد الأمل فيها ، لكن القرض تتعلق نفسك به ، فكلما صبرت مرة أتتك حسنة ، كما أن المتصدق عليه قد يكون غير محتاج ، ولكن المقترض لا يكون إلا محتاجاً . والقرض من المال الذي لديك يجعل المال يتناقص ، لذلك فالله يعطيك أضعافاً مضاعفة نتيجة هذا القرض ، وذلك مناسب تماماً لقوله تعالى : { يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } [ البقرة : 245 ] التي جاء بها في قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 245 ] أي ساعة تذهب إليه ويأخذ كل منا حقه بالحساب أي أن المال الذي تقرض منه ينقص في ظاهر الأمر ولكن الله - سبحانه - يزيده ويبسطه أضعافاً مضاعفة وفي الآخرة يكون الجزاء جزيلاً . ثم ينتقل الله عز وجل إلى قضية أخرى يستهلها بقوله سبحانه : { أَلَمْ تَرَ } [ البقرة : 245 ] تأكيداً للخبر الذي سيأتي بعدها على أنه أمر واقع وقوع الشيء المرئي ، يقول سبحانه : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ … } .