Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 269-269)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحكمة هي وضع الشيء في موضعه النافع . فكأن الحق يقول : كل ما أمرتكم به هو عين الحكمة لأني أريد أن أُؤَمِّنَ حياتكم الدنيا فيمن تتركون من الذرية الضعفاء ، وأُؤَمِّنَ لكم سعادة الآخرة . فإن صنع العبد المؤمن ما يأمر به الله فهذا وضع الأشياء في موضعها وهو أخذ بالحكمة . وقد أراد الحق أن يعلم الإنسان من خلال عاطفته على أولاده ، لأن الإنسان قد تمر عليه فترة يهون فيها عنده أمر نفسه ، ولا ينشغل إلا بأمر أولاده ، فقد يجوع من أجل أن يشبع الأولاد ، وقد يعرى من أجل أن يكسوهم . ولنا المثل الواضح في سيدنا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ، لقد ابتلاه ربه في بداية حياته بالإحراق في النار ، ولأن إبراهيم قوى الإيمان فقد جعل الله النار برداً وسلاماً . وابتلاه الله في آخر حياته برؤيا ذبح ابنه ، ولأن إبراهيم عظيم الإيمان فقد امتثل لأمر الرحمن الذي افتدى إسماعيل بكبش عظيم . والإنسان في العمر المتأخر يكون تعلقه بأبنائه أكبر من تعلقه بنفسه . وهكذا كان الترقي في ابتلاء الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام ، ولذلك أراد الله أن يضرب للبشر على هذا الوتر وقال : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [ النساء : 9 ] . إن الحق سبحانه يريد من عباده أن يؤمّنوا على أولادهم بالعمل الصالح والقول السديد . ومثال آخر حين أراد الحق أن يحمي مال اليتامى ، وأعلمنا بدخول موسى عليه السلام مع العبد الصالح الذي أوتي العلم من الله ، يقول - سبحانه - : { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } [ الكهف : 77 ] . كان موسى عليه السلام لا يعلم علم العبد الصالح من أن الجدار كان تحته كنز ليتيمين ، كان أبوهما رجلاً صالحاً ، وأهل هذه القرية لئام ، فقد رفضوا أن يطعموا العبد الصالح وموسى عليه السلام ، لذلك كان من الضروري إقامة الجدار حتى لا ينكشف الكنز في قرية من اللئام ويستولوا عليه ولا يأخذ الغلامان كنز أبيهما الذي كان رجلاً صالحاً . إذن فالحق سبحانه يعلمنا أن نُؤَمِّنَ على أبنائنا بالعمل الصالح ، وهذه هي الحكمة عينها التي لا يصل إليها إلا أصحاب العقول القادرة على الوصول إلى عمق التفكير السديد . وسيدنا الحسن البصري يعطينا المثل في العمل الصالح عندما يقول لمن يدخل عليه طالباً حاجة : مرحباً بمن جاء يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة . إن سيدنا الحسن البصري قد أوتي من الحكمة ما يجعله لا ينظر إلى الخير بمقدار زمنه ، ولكن بمقدار ما يعود عليه بعد الزمن . وقد ضربت من قبل المثل بالتلميذ الذي يَجِدُّ ويتعب في دروسه ليحصل على النجاح ، بينما أخوه يحب لنفسه الراحة والكسل . ثم نجد التلميذ الذي يتعب هو الذي يرتقي في المجتمع ، بينما الذي ارتضى لنفسه الكسل يصير صعلوكاً في المجتمع . وبعد ذلك يقول سبحانه : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ … } .