Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 272-272)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما أصل هذه المسألة ؟ أصل هذه المسألة أن بعض السابقين إلى الإسلام كانت لهم قرابات لم تسلم . وكان هؤلاء الأقرباء من الفقراء وكان المسلمون يحبون أن يعطوا هؤلاء الأقارب الفقراء شيئاً من مالهم ، ولكنهم تحرجوا أن يفعلوا ذلك فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر . وهاهي ذي أسماء بنت أبي بكر الصديق وأمها " قُتَيْلَةَ " كانت ما زالت كافرة . وتسأل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعطي من مالها شيئاً لأمها حتى تعيش وتقتات . وينزل الحق سبحانه قوله : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] ، " وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمتْ على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلت : قَدِمتْ عليّ أمي وهي راغبة . أفأصل أمّي ؟ قال : " نعم صلي أمّكِ " ولقد أراد بعض من المؤمنين أن يضيقوا على أقاربهم ممن لم يؤمنوا حتى يؤمنوا ، لكن الرحمن الرحيم ينزل القول الكريم : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] . إنه الدين المتسامي . دين يريد أن نعول المخلوق في الأرض من عطاء الربوبية وإن كان لا يلتقي معنا في عطاء الألوهية لأن عطاء الألوهية تكليف ، وعطاء الربوبية رزق وتربية . والرزق والتربية مطلوبات لكل من كان على الأرض لأننا نعلم أن أحداً في الوجود لم يستدع نفسه في الوجود ، وإنما استدعاه خالقه ، وما دام الخالق الأكرم هو الذي استدعى العبد مؤمناً أو كافراً ، فهو المتكفل برزقه . والرزق شيء ، ومنطقة الإيمان بالله شيء آخر ، فيقول الحق : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] . أو أن الآية حينما نزلت في الحثّ على النفقة ربما أن بعض الناس تكاسل ، وربما كان بعض المؤمنين يعمدون إلى الرديء من أموالهم فينفقونه . وإذا كان الإسلام قد جاء ليواجه النفس البشرية بكل أغيارها وبكل خواطرها ، فليس بعجيب أن يعالجهم من ذلك ويردهم إلى الصواب إن خطرت لهم خاطرة تسيء إلى السلوك الإيماني . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حين ينزل أي أمر أن يلتفت المسلمون إليه لفتة الإقبال بحرارة عليه ، فإذا رأى تهاوناً في شيء من ذلك حزن ، فيوضح له الله : عليك أن تبلغهم أمر الله في النفقة ، وما عليك بعد ذلك أن يطيعوا . { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] . ولقائل أن يقول : ما دام الله هو الذي يهدي فيجب أن نترك الناس على ما هم عليه من إيمان أو كفر ، وما علينا إلا البلاغ ، ونقول لأصحاب هذا الرأي : تنبهوا إلى معطيات القرآن فيما يتعلق بقضية واحدة ، هذه القضية التي نحن بصددها هي الهداية ، ولنستقرئ الآيات جميعاً ، فسنجد أن الذين يرون أن الهداية من الله ، وأنه ما كان يصح له أن يعذب عاصياً ، لهم وجهة نظر ، والذين يقولون : إن له سبحانه أن يعذبهم لأنه ترك لهم الخيار لهم وجهة نظر ، فما وجهة النظر المختلفة حتى يصير الأمر على قدر سواء من الفهم ؟ إن الحق سبحانه وتعالى حينما يتكلم في قرآنه الكلام الموحَى ، فهو يطلب منا أن نتدبره ، ومعنى أن نتدبره ألا ننظر إلى واجهة النص ولكن يجب أن ننظر إلى خلفية النص . " أفلا يتدبرون " يعني لا تنظر إلى الوجه ، ولكن انظر ما يواجه الوجه وهو الخلف . { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآن … } [ النساء : 82 ] . فالحق سبحانه وتعالى قد قال : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ … } [ فصلت : 17 ] . كيف يكون الله قد هداهم ، ثم بعد ذلك يستحبون العمى على الهدى ؟ إذن معنى " هدام " أي دلَّهم على الخير . وحين دلَّهم على الخير فقد ترك فيهم قوة الترجيح بين البدائل ، فلهم أن يختاروا هذا ، ولهم أن يختاروا هذا ، فلما هداهم الله ودلَّهم استحبوا العمَى على الهدى . والله يقول لرسوله في نصين آخرين في القرآن الكريم : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ … } [ القصص : 56 ] . فنفى عنه أنه يهدي . وأثبت له الحق الهداية في آية أخرى يقول فيها : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] . فكيف يثبت الله فعلاً واحداً لفاعل واحد ثم ينفي الفعل ذاته عن الفاعل ذاته ؟ نقول لهم : رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أن يدل الناس على منهج الله ولكن ليس عليه أن يحملهم على منهج الله لأن ذلك ليس من عمله هو ، فإذا قال الله : " إنك لا تهدي " أي لا تحمل بالقسر والقهر من أحببت ، وإنما أنت " تهدي " أي تدل فقط ، وعليك البلاغ وعلينا الحساب . إذن فقول الحق : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] ليس فيه حجة على القسرية الإيمانية التي يريد بعض المتحللين أن يدخلوا منها إلى منفذ التحلل النفسي عن منهج الله ونقول لهؤلاء : فيه فرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة ، فالله يهدي المؤمن ويهدي الكافر أي يدلهم ، ولكن من آمن به يهديه هداية المعونة ، ويهديه هداية التوفيق ، ويهديه هداية تخفيف أعمال الطاعة عليه . { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُم } [ البقرة : 272 ] تلك قضية تعالج الشُح منطقياً ، وكل معطٍ من الخلق عطاؤه عائد إليه هو ، ولا يوجد معطٍ عطاؤه لا يعود عليه إلا الله ، هو وحده الذي لا يعود عطاؤه لخلقه عليه ، لأنه - سبحانه - أزلا وقديماً وقبل أن يخلق الخلق له كل صفات الكمال ، فعطاء الإنسان يعود إلى الإنسان وعطاء ربنا يعود إلينا . ولذلك قال بعض السلف الذين لهم لمحة إيمانية : ما فعلت لأحد خيراً قط ؟ فقيل له : أتقول ذلك وقد فعلت لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا ؟ فقال : إنما فعلته لنفسي . فكأنه نظر حينما فعل للغير أنه فعل لنفسه . ولقد قلنا سابقاً : إن العارف بالله " الحسن البصري " كان إذا دخل عليه من يسأله هشّ في وجهه وبشّ وقال له : مرحباً بمن جاء يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة . إذن فقد نظر إلى أنه يعطيه وإن كان يأخذ منه . فالحق سبحانه وتعالى يعالج في هذه القضية { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } [ البقرة : 272 ] أي إياكم أن تظنوا أنني أطلب منكم أن تعطوا غيركم ، لقد طلبت منكم أن تنفقوا لأزيدكم أنا في النفقة والعطاء ، ثم يقول : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } [ البقرة : 272 ] ومعنى التوفية : الأداء الكامل . ولا تظنوا أنكم تنفقون على من ينكر معروفكم لأن ما أنفقتم من خير فالله به عليم . إذن فاجعل نفقتك عند من يجحد ، ولا تجعل نفقتك عند من يحمد ، لأنك بذلك قد أخذت جزاءك ممن يحمدك وليس لدى الله جزاء لك . كنت أقول دائماً للذين يشكون من الناس نكران الجميل ونسيان المعروف : أنتم المستحقون لذلك لأنكم جعلتموهم في بالكم ساعة أنفقتم عليهم ، ولو جعلتم الله في بالكم لما حدث ذلك منهم أبداً . { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 272 ] أهذه الآية تزكية لعمل المؤمنين ، ، أم خبر أريد به الأمر ؟ إنها الاثنان معاً ، فهي تعني أنفقوا ابتغاء وجه الله . { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } [ البقرة : 272 ] أنتم لا تظلمون من الخلق ، ولا تظلمون من الخالق ، أما من الخلق فقد استبرأتم دينكم وعرضكم حين أديتم بعض حقوق الله في أموالكم ، فلن يعتدي أحد عليكم ليقول ما يقول ، وأما عند الله فهو سبحانه يوفي الخير أضعاف أضعاف ما أنفقتم فيه . وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن مصرف من مصارف النفقة كان في صدر الإسلام : { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ … } .